من المريح فعلا، أن يعثر المرء، حتى، هناك في معسكر مؤيدي "الثورة" السورية على من لا يسلم عقله لرغائبيته، فيرى بعينين اثنتين. في المقال التالي، يقطع الكاتب حسين الرواشدة حماسته لـ"الثورة" السورية، ويسجل ريبته إزاء المخططات الدولية. مقال مثير للاهتمام، من كاتب لا يمكن أن يصنف من "أنصار الأسد":
بقلم: حسين الرواشدة
يبدو أن ساعة «الحسم» قد اقتربت في ليبيا، فالثوار وصلوا إلى مشارف طرابلس، والانجازات التي حققوها في أسبوع توازي انجازاتهم على الأرض طيلة الشهور الماضية، ولا يمكن فهم ذلك إلا في سياق الحسابات السياسية الغربية التي انتهت بعد هذا المخاض الطويل من الاستنزاف للطرفين إلى «التدخل» بشكل جدي ومؤثر لإغلاق «الملف» والاستعداد لفتح ملف آخر.
من تابع المشهد «الليبي» وخاصة فيما يتعلق «بالتدخل» العسكري للناتو، يدرك تفاصيل اللعبة السياسية وما جرى على هامشها من تمارين «لإخضاع» الطرفين المتصارعين وفق معادلة أساسها خدمة المصالح الغربية ولنا بالطبع أن نتوقع أسوأ السيناريوهات للخروج من «الأزمة» الراهنة إلى أزمات جديدة ما دام أن الفاعل الأساسي هو «الناتو» وما دام أن «الثورة» وقعت في مصيدة التدخل الأجنبي وان كان نظام القذافي قد دفعها إلى هذا الخيار المغشوش ولم يترك لها أي فرصة للهروب منه.
كان يمكن «للازمة» الليبية أن تستمر لشهور طويلة ما دام أن «الناتو» لم يحسم خياره لإنهائها، لكن يبدو أن قرار الحسم قد اتخذ ليس بالطبع من اجل «عيون» إخواننا الثوار وإنما استعدادا لفتح جبهة أخرى جديدة وهذه الجبهة هو سوريا.
السؤال: هل سيتكرر «النموذج» الليبي في سوريا؟ وهل سيدخل «الناتو» من الجامعة العربية ومجلس الأمن إليها؟ وهل ستكون دمشق مرشحة «للتدويل» ويقع للرئيس الأسد ما وقع لزميله القذافي؟ اعتقد أن ثمة «ترتيبات» تجري في هذا السياق وإذا لم تخني الذاكرة فان قرار مجلس الأمن الذي صدر ضد ليبيا كان في الأصل موجها ضد سوريا حتى قبل أن تنطلق ثورتها، وبالتالي فنحن أمام «بروفة» جديدة تشبه تماما «بروفة» ليبيا، ربما تختلف في بعض التفاصيل ولكن النتيجة واحدة: تدخل سياسي يتوازى مع تدخل عسكري «إذا لزم الأمر» لنزع الشرعية من نظام الأسد وإقامة مجلس انتقالي يجري تأمين ما يلزمه من اعترافات عربية ودولية.. ودعم حركة انشقاقات في الجيش والسلك الدبلوماسي ومن ثم استنزاف النظامين الحالي والبديل وصولا إلى الهدف المطلوب.
حتى الآن يرفض الثوار في سوريا هذا «التدخل» وربما تتحفظ عليه بعض العواصم العربية لكن دخول «تركيا» على الخط سيطرح –ربما- البديل وهو إناطة الدور لأنقرة باعتبارها عضوا في الناتو لتنفيذ المهمة وانتزاع ما يلزم لتغطية سياسية ومالية عربية لتمريرها.. وبالتالي فانه ليس أمام «السوريين» بعد هذا القمع الذي يتعرضون له من قبل النظام سوى القبول بالفكرة.. أو ابتلاعها بالإكراه.
يتحمل النظام في سوريا مسؤولية ذلك، هذا صحيح، لكن سيدفع السوريون كلهم ثمن هذا التدخل وستجد العواصم العربية نفسها أمام «بدائل» كارثية قد تقود إلى «حروب» إقليمية طويلة خاصة إذا بقي موقف طهران وذراعها حزب الله في مكانه الداعم للنظام السوري ونجح النظام في إشعال صراعات طائفية او في تصدير أزمته إلى الخارج.
باختصار، طي ملف «الصراع» في ليبيا في هذا التوقيت «الغربي» بامتياز سيفتح المجال أمام إشارات واضحة ومفهومة باقتراب «التسخين» على جبهة أخرى وهذه الجبهة –بالتأكيد- هي سوريا، والمهم –هنا- هو موقف العواصم العربية مما يجري الآن ومما قد يتطور لاحقا من أحداث في سوريا.. ولأننا نعرف –مسبقا- هذا الموقف فإننا نضع أيدينا على قلوبنا انتظارا لحرب سندفع جميعا تكاليفها ولن ينتصر فيها احد الا «الناتو» الذي صحا أخيرا على «ربيعنا» العربي فقرر أن يجعله خريفا اسود!.
(الدستور. 18-08-2011)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق