الخميس، 11 أغسطس 2011

هوس باستنساخ النموذج السوري!

ناهـض حـتر
ynoon1@yahoo.com
الحركة الإسلامية قوة سياسية رئيسية في البلد، يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا في تكوين الكتلة الحرجة اللازمة للتحول الديموقراطي، لكن ما أخشاه أن الإسلاميين واقعون تحت إغراء شعور زائف بالقوة قد يقودهم إلى مغامرة ندفع جميعا ثمنها الباهظ.
يتحرك الإسلاميون، بالطبع، في مناخ دولي متفهم، وربما مساند، وفي إطار تحالف إقليمي داعم سياسيا وإعلاميا، لكن ربما كان عليهم ان ينتبهوا إلى نقاط ضعفهم داخليا. 
صحيح أنهم يملكون نواة تنظيمية ممركزة لا يملكها المنافسون، لكنهم يفتقرون، بعكس نظرائهم المصريين أو السوريين، إلى الغطاء السياسي المحلي اللازم، كما ان محاولاتهم لاختراق المحافظات تظل هامشية ودعائية.
للإسلاميين الأردنيين، جماهير تحتشد عند صناديق الاقتراع، او للتضامن مع حماس أو الانتفاضة السورية، لكن ليس لديهم جماهير تحتشد للثورة.وقد فشلت التنسيقية التي يقودها الإخوان المسلمون في إنجاح أي من نشاطاتها الرمضانية التي حظيت بتغطية دعائية مكثفة، بل إن مساعي الإخوان لتعويض ضعفهم في المحافظات عن طريق تحريك مناطق جديدة في عمان، انتهت إلى مشهد كاريكاتوري. ففي حي نزال، منع الأهالي، التحرك، وفي الوحدات، لم تحظ الفعالية الإخوانية بمشاركة تزيد على 50 - 60 نصيرا. وقد تبين أن إستراتيجية العقل الجمعي في المناطق المعنية، تتمحور حول موقف الحياد. وهي، كما أرى، استراتيجية حساسة ومسؤولة.
أغرى نجاح نموذج الثورة المصرية القائم على اعتصام جماهيري مفتوح في ميدان رئيسي في العاصمة، المعارضة البحرينية التي انتهى اعتصامها في ميدان اللؤلؤة في المنامة بالهزيمة أمام القمع، بل بقيام السلطات بإزالة معالم الميدان بالجرافات. في اليمن أيضا، لم تؤد الإعتصامات المفتوحة الجبارة إلى نتيجة حاسمة. وربما يعود السبب الرئيسي في الحالتين إلى عدم وجود غطاء إقليمي ودولي للتغيير الحاسم، لكن السبب الأهم يكمن في إنشقاق المجتمع؛ مذهبيا في البحرين، وقبليا في اليمن، ما منح النظامين سندا داخليا اضافة إلى السند الخارجي.
في الأردن، جرت محاولة استنساخ النموذج المصري وتحويل اعتصام 24 آذار على دوار الداخلية، إلى ميدان تحرير آخر. لكن الإعتصام لم يصمد أمام هجمات البلطجية والتدخل الأمني، بضع ساعات. والسبب في ذلك أن الإعتصام كان قد إنشق على نفسه مسبقا، حين تمكن الإخوان من إخضاعه لسيطرتهم اللوجستية وبرنامجهم السياسي، فلم يعد المشاركون الآخرون معنيين بالحشد لمعركة ليست معركتهم.
وما أن تبيّن أن النموذج المصري خاص بمصر، اندلعت الإنتفاضة السورية في نموذج آخر، يقوم على المواجهة والتضحيات، وبالتالي نزع الشرعية عن النظام تحت تغطية إعلامية مكثفة وحصار سياسي إقليمي ودولي. وبدا النموذج السوري مغريا لاستنساخه في ساحة النخيل في 15 تموز الماضي، لكن الإعتصام الذي حظي بتغطية إعلامية استثنائية، لم يستقطب الجماهير، وبقي في حدود المئات. ورغم الحماقة الأمنية المرتكبة في ذلك اليوم، فإن تراجع القرار الأمني عن الصدام تاليا، صب الماء على جذوة المجابهة المطلوبة لتحريك إنتفاضة مستنسخة.
الحراك الأردني له إيقاعه الخاص. فاسترتيجيته تقوم على إحداث تغيير اجتماعي وسياسي وتأكيد الذات الوطنية، لكن ليس على أجندته تغيير النظام أو الصدام العنيف معه. ولذلك، يتبع الحراك الأردني تكتيكا مزدوجا من تسخين الشعارات وتبريد المظاهرات. بالمقابل، يتبع الإسلاميون تكتيكا معاكسا. يلتزمون، علنا، ببرنامج ليبرالي حقوقي، ويسعون نحو التصعيد، ويعرضون مطالب نوعية في اللقاءات السياسية ذات المغزى.
السفارة الفرنسية في عمان اعلنت، صراحة، أن لديها برنامج حوار منتظما مع الإسلاميين. وهؤلاء لم ينفوا ذلك. وقد تسربت من مصادر موثوقة نُتفَ من ذلك الحوار تشير إلى المطالبة بالحكم مقابل الإبقاء على ملكية شكلية. ومما له دلالة أساسية أن مطلب الإنتخابات على أساس الكثافة السكانية الذي كان عنوان بيان 24 آذار، تكرر في ذلك الحوار.
في بيروت، أكدت مصادر صحافية مطلعة أن الخليجيين، قبل ان يسحبوا سفراءهم من دمشق، عرضوا على القيادة السورية، وقف الإنتفاضة والحملات الإعلامية والسياسية مقابل حكومة إسلامية. وكان رد النظام السوري بالرفض، بل نُقل عن أحد اركانه قوله: " بيننا السلاح. إذا تمكنوا منا فليقتلونا، وإذا تمكنا منهم سنستأصلهم".
ليس في النظام الأردني من يردّ على الخليجيين أو الأمريكيين أو الفرنسيين، بهذا المنطق. بالعكس، المطبخ السياسي الأردني مشغول الآن، بالبحث عن صيغة نظام انتخابي ترضي الإسلاميين، وتدفعهم للمشاركة في الإنتخابات المقبلة، والمشاركة في الحكم. ولن تدعم الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، صيغا أعلى من هذه. وعلى المستوى الداخلي ليس لدى الإسلاميين القوة اللازمة لاستنساخ المشهد المصري او السوري. فهل نتوقع أن يتراجع الإتجاه المغامر؟
المساعي الحثيثة على الأرض لا تبشّر بذلك التراجع. وهو ما يثير قلق العديد من نشطاء الحراك الشعبي الذين يتحسسون، في إيقاع التحركات الإخوانية، دبيب الهوس باليوم الأردني التالي لسقوط النظام السوري.
(العرب اليوم. 2011-08-11)

ليست هناك تعليقات: