أتذكر "مؤنس"؛ أراه
هنا بالقرب، في مكان ما لا تراه عيوني المفتوحة، وتخطئ تحديده عيناي المغمضتان. لا
أبصره في النور، ولا يظهر لي في العتمة!
أصيخ السمع وأحاول أن أصغي،
فلربما حرك صوت تناهي عن بعد ذكراه في البال، واستعاده إلى الذاكرة.
لا صوت!
أعود لأنشغل بأمري؛ فذا على ما
يبدو مجرد خاطر عابر يحركه ما للراحل من محبة وأثر في نفوسنا جميعاً. أقنع نفسي
بذلك، وأقر أن لا تفسير منطقي آخر.
في الأثناء، يبادرني صوت
"خفيض" في نافذة الدردشة الإلكترونية بالتحية. أردها، فيبادلني حديثاً
يتضمن ملاحظة على رأي لي. وقبل أن أجيبه، أرى "مؤنس".
أراه يدخل ويجلس، ويتناهى إليّ
صوت هفيف المقعد تحت ثقل قامته الفارعة. ألتفت، على الفور، ناحية مصدر الصوت، فلا
أرى سوى أريكة فارغة، ولا يمكن أن تصدر صوتاً!
أعود إلى نافذة الدردشة
الإلكترونية، وأكتب لصاحب الصوت "الخفيض":
-
لدي ضيف.
وأستأذنه بالانصراف.
ألبث صامتاً، أحدق بالأريكة.
ثم أنهض واتجه نحوها منتوياً الجلوس عليها، لأتيقن من إمكانية أن تصدر صوتاً أثناء
الجلوس. وما أن أفعل حتى ينبعث صوت مفاجئ ومفزع؛ ولكني سرعان ما أدرك أن مصدر الصوت
ليس الأريكة نفسها، ولكنه صوت شيء ما سقط في صالة البيت، فأهرع من فوري لأستطلع
الأمر..
كانت مجموعة من الكتب قد سقطت
عن الرف الرخو!
أستعيد هدوئي وأبدأ بإلتقاط الكتب
وإعادتها إلى مكانها؛ وبينما أفعل، تقع في يدي ورقة مطوية. أتذكرها على الفور.
إنها تتضمن عبارة وحيدة منتزعة من أحد مقالات "مؤنس". كنت قبل سنوات قد
صورتها مكبرة بحجم نصف صفحة.
أتأمل الورقة، وبينما أفتحها لأستعيد كلمات تلك العبارة، أرى "مؤنس"؛ أراه يجلس مكاني على
طاولتي. يتناول علبة سجائره، ثم يشعل لنفسه واحدة.
ينفث دخانها، ويكتب، فيما
أنا أقرأ:
"كيف يحب وطنه من لم يفلح
حتى في حب ابنة الجيران..!؟"


هناك تعليق واحد:
رحم الله مؤنس. فقد كرس جزءا هاما من أدبه لفضح جبروت وخيانة ما سمي بالحركة التصحيحية وانقلاب حافظ الأسد على الحزب وتنكيله بمؤسسي الحزب وعلى رأسهم منيف الرزاز. وممارستهم ضد آبائهم المؤسسين من سجن وإقامة جبرية. ونحن في الأردن لدينا نموذجان هامان لهذا التنكيل الذي طال المؤسسين. بعدها أخذت عصابة الأسد الحكم وانحرف المشروع القومي ليصبح مشروعا شخصيا استبداديا. تحصد سوريا الآن نتائجه الوخيمة.
إرسال تعليق