الأحد، 14 أغسطس 2011

الأردنيون.. هبّات وهِبات


بقلم: محمود مـنير
في 15 نيسان من عام 1989، خرج الأردنيون مطالبين بمحاكمة الفساد، الذي سبب أزمة معيشية خانقة، فوُهبوا ديمقراطية، لم يطلبوها، حتى حسدهم الجيران عليها.
الفساد، الذي قض مضاجع الأردنيين، يضاف إليه السياسات التي أضرت بالزراعة والصناعة، لم ينته بعد انتفاضتهم الشهيرة، وتمت معاقبتهم، بعد سنوات، عبر تنفيذ برنامج التصحيح الاقتصادي وبدء الخصخصة وبيع القطاع العام.
شهداء هبة نيسان، والناس الذي خرجوا في الشوارع، لم يتوقعوا - حينها- مقايضة غير عادلة، تمنحهم صناديق اقتراع لم يكترثوا لها يوماً، لينجو الفاسدون من المحاسبة، لقاء ذلك، وتخضع البلاد، بعدها، لأسوأ السياسات الاقتصادية.
وللمفارقة، فإن الصناديق هي المسؤولة، اليوم، عن انحراف الديمقراطية، كما أقرت تلك السياسات الاقتصادية الانتحارية، وتلاعبت بأحلام البسطاء باسم مشاركتهم السياسية.
المعارضة، بدورها، لم تعرف بالهبة إلاّ بعد انطلاقها، غير أنها شاركت في التسوية السياسية الكبرى، التي أعقبت نيسان، فقايضت كل ما تملك -عندئذ- وهو اعترافها بالنظام السياسي مقابل انخراطها في عملية سياسية بمشاركة رمزية، تحددها قوانين الانتخابات.
قبيل نيسان، عاشت بعض أحزاب المعارضة انشقاقات، في الوقت، الذي لم تراهن فيه على قوة الشارع، وهو موقف لا يمكن نسيانه، إذا جرت مقارنته بحال المعارضة اليوم.
عدم الرهان على الشارع لا يقتصر على المعارضة، فالدولة الأردنية لم تراهن عليه أيضاً، وعليه فإن التنبؤ بحال الشارع عصيّ على أطراف لا تؤمن به.
غير أن المزاج الأردني "الصعب" يستدعي مراجعة عميقة لهبة نيسان بغية الوصول إلى خلاصات علمية، يبدو الشعب في أشد الحاجة إليها، خلال هذه المرحلة الدقيقة.
الهم المعيشي، على اختلاف مستوياته، لا يزال، يشكل حجر الأساس لمطالب الناس، وإن أخذ أشكالاً متعددة في التعبير عن أسبابه، ومنها محاربة الفساد ورموزه، وهو حلم يبدو بعيد المنال لارتباطات الفاسدين من جهة، واقتران الفساد بالنمط الاقتصادي القائم من جهة أخرى.
النمط الاقتصادي القائم قد يمثل منظومة معقدة، لكن انعكاساته ظاهرة للعيان، وأوصلت المواطن الأردني إلى سن اليأس: لا حلول جذرية لمشاكل الفقر والبطالة وتبعات الخصخصة وبيوع القطاع العام، والاشتراطات الدولية والتبعية المترتبة على ذلك.
الأردنيون على مشارف التغيير، وإن لم يدرسوا واقعهم جيداً، فسيكونون بانتظار هِبات جديدة لهبّة مقبلة.
(العرب اليوم. 2011-08-14)

ليست هناك تعليقات: