في
زمن ليس بعيد، كان ضباط "دائرة المخابرات العامة" يطلبون من غالبية
المعتقلين الحزبيين، ومن يشتبه بأنهم حزبيين، شيئاً واحداً: استنكار الحزب الذي
ينتمون، أو يشتبه أنهم ينتمون إليه. وكانت "الدائرة" تنشر هذا الاستنكار
في إعلان بالصحف اليومية.
ويمكن
لم يستهجن هذا الكلام أن يعود لصفحة رابطة الكتاب الأردنيين على الفيس بوك؛ إنها
مليئة باللغو التهجمي، والإسفاف في المفردة والخطاب، والصراخ التعنيفي، والتهديد
والوعيد، الذي يمارسه نفر ممن يسمون أنفسهم أنصار الشعب السوري، وهو براء من هؤلاء
الذين يؤيدون قتلته، ومريدي تحطيم دولته، وتمزيق مجتمعه، وإعادته إلى عصور ظلامية
لم يعشها ولم يخبرها في تاريخه، رغم عمره الطويل على هذه الأرض.
ويبدو
كل واحد منهم، في خضم ذلك، ضابط مخابرات من ذلك العهد!
إن
هؤلاء، الذين يناصرون "ثورة" لم تجد أفضل من مفردة "طز"
للتعبير عن نفسها وعن أخلاقياتها، لا يكتفون بالتعبير عن أسوأ ما في دواخلهم،
ولكنهم يمارسون حالة قمعية تتعدى حدود محاولة فرض رأيهم على الآخرين، إلى ملاحقة
كل صاحب ضمير حي ورأي حرّ، محاولين دفعه، قسراً وغصباً، أن يردد وراءهم الترهات
المشبوهة التي يرددونها.
ولا
بأس، فجلّ هؤلاء من الطارئين على الرابطة والثقافة!
المؤسف
أن الأمر لا يقتصر على هؤلاء؛ فقد شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية محاولات
ملحاحة متكررة من د. أحمد ماضي، لدفع الهيئة الإدارية، إلى التخلي عن موقفها
المتوازن والمسؤول وعن قناعاتها الحرة، وإتباعه في هواه بإصدار بيان أعور لا يرى
من أحداث سوريا إلا كراهيته المفترضة، التي لا تعني أحداً، لنظامها.
أي
بإختصار، استنكار نفسها وقناعاتها، وإصدار إعلان بذلك.!
لقد
سبق أن أشرت إلى أن د. ماضي وبعض أركان "التجمع" اختاروا أن يجعلوا
الموقف من سوريا عنواناً لتلك الانتخابات، التي جاءت بهذه الهيئة الإدارية وأهدتها
فوزاً ساحقاً، أكد أن قسماً ليس بالقليل من ناخبي "التجمع" نفسه ينضمون
إلى ناخبي "التيار" في تأييد مواقف "القدس"، التي تستريب مما
يحدث في سوريا. ولا أدلّ على ذلك من أن "التجمع" نفسه لم يصدر إلى هذه
الساعة مثل ذلك البيان، الذي يطلبه د. ماضي من هيئة إدارية تعبر عن جسم الهيئة
العامة المعارضة لتوجهاته.
إن
موقف الهيئة الإدارية من الشأن السوري هو موقف مسؤول يراعي الانقسام الحاد في
الهيئة العامة وفي المجتمع الأردني عموماً، وهو كذلك موقف متوازن يرى بعينين
اثنتين إلى الشأن السوري، فلا يغفل استحقاق التعددية والإصلاحات الدبمقراطية
الواجبة، وينأى بنفسه عن الوقوف مع أعداء الشعب السوري الذين يسلحون الإرهابيين
وعتاة المجرمين ويرسلونهم لقتل أبنائه وجنوده.
ومثل
هذا الموقف يحييه أصحاب الضمائر الحية!
إن ما
نقرأه على صفحة الرابطة، وما نراه من جهود تلح على الهيئة الإدارية لتغيير
قناعاتها وإصدار بيان بذلك، يذكرنا بأن أصحاب العقليات الاستبدادية لا يقبلون من
الديمقراطية إلا ما تتيحه من فرصة للانقلاب على الحرية، والتعددية، وعليها هي
نفسها.
من
الملفت أن يكون بين أصحاب هذه الجهود، المعبر عنها على صفحة الرابطة وغيرها، بعض
ممن سبق أن سجلوا استنكارهم العلني من شعبهم وأمتهم، ولا عجب أنهم يتقمصون، اليوم،
شخصية ضابط مخابرات من ذلك العهد، فيحاولون دفعنا جميعاً لاستنكار قناعاتنا وعقولنا
وضمائرنا..!
والأخطر
أنهم، بذلك، يحولون الرابطة إلى "دائرة الكتاب العامة"!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق