قالت المرأة، التي استوقفتني
بينما كنت أغادر مكاني في المقهى على رصيف الشارع التجاري، أنني أذكرها بعزيز. ابتسمت
بتعاطف، وهممت بمواصلة سيري. ولكنها أمسكت بذراعي، وراحت تتفرس في وجهي.
وكان عليّ أن أحتمل بتهذيب الوقوف في منتصف النهار، بلا حراك، على رصيف عجول في طريق مارة نافذي الصبر، بينما هي مستغرقة بتأمل وجهي.
بدا عليها الإعياء، فجأة،
وهمّت بالجلوس.
قالت:
-
ساعدني.
فسارعت بالتقاط أقرب كرسي إلى
يدي، وأجلستها.
قالت:
-
اجلس يا بني!
فالتقطت كرسياً آخر وجلست
بقربها.
كان وجهها إلى الشارع، فيما راحت
ترقبه بشرود لبعض الوقت.
قالت:
-
الآن فهمت: أنت لا
تذكرني بأحد. ولكن سبق أن رأيتك.
قلت:
-
أقيم بالقرب.
قالت:
-
رأيتك تعبر الشارع من
تلك الجهة. ورأيتهم يقتلونك في وضح النهار.
لم أعلق، فنظرت إليّ متشككة:
-
لا تصدقني..؟
قلت:
-
أنت لا تعنين ذلك.
قالت:
-
كانوا ينتظرونك، هناك،
على الرصيف المقابل. ثلاثة فتية بعمرك؛ الأول ينتحل اسمك، والثاني يتقنّع بوجهك،
والثالث يتقمص شخصيتك. انتظروا ريثما اقتربت من الرصيف، فأطلقوا النار عليك، ثم
ولوّا هاربين.
صمتتْ. وكان قد انتابني الفضول،
فسألت:
-
وماذا بعد..؟
-
وماذا بعد..!؟
والتفتت إليّ بحنو، بينما راحت
تربت على ظاهر كفي.
وقالت:
-
لقد قتلوك. فما الذي
حدث بعد ذلك..؟ أنت أخبرني!
ثم أشاحت بوجهها من جديد ناحية
الشارع، وواصلت ترقبه بشرود، فيما بدأ الليل بطي صفحة النهار.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق