الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

الأردنيون بلا مكاتيـب

بقلم: محمـود مـنير
mahmoud1st@hotmail.com
الأردنيون، جميعاً، مدعوون لقراءة "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه"، رائعة الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز، الحائز على نوبل للآداب، وهي بالمناسبة، أصغر رواياته حجماً، وأقربها إلى نفسه.
الدعوة، هذه، لا صلة لها، مطلقاً، باعتداءات البلطجية على المتظاهرين في الكرك، إنما تنطلق من اعتبارات فنية وجمالية.
الجنرال المتقاعد، بطل الرواية، يقطن قرية نائية، وهو ينتظر راتبه التقاعدي لقاء خدمته جيش بلاده عقوداً من الزمن، غير أن انتظاره يطول بسبب الصراع على السلطة بين الحكومة الكولومبية، وبين المتمردين.
يربي الجنرال ديكاً، ورثه عن ابنه المتوفى، وينفق عليه كل ما ادخره، في سبيل تهيئته لصراع الديكة في كرنفال يقيمه أهالي القرية كل عامٍ، فالديك الفائز يجلب السعد لصاحبه مقابل ما يجنيه من الرهانات عليه، والذي سيكفيه مؤونة ثلاث سنوات كاملة.
البريد، الذي يصل يوم الجمعة، لا يأتي الجنرال بجديد عن مكافآته، وعندها يضطر لبيع ديكه العزيز قبل موعد انعقاد الكرنفال، ويفقد فرصة ذهبية في تعويض خسائره.
عبر قراءة ماركيز، سيشعر الأردنيون أنهم يعيشون فضاءات قريبة من أجواء أمريكا اللاتينية في خمسينيات القرن الفائت، وإن اختلفت بعض ملامحها، فهم ينتظرون منذ أمد طويل، ولم تصلهم تلك الرسالة التي يترقبونها حتى اللحظة.
وهم يراهنون على ديوك تخذلهم كلما اقتربت المواجهة، التي يفترض أن تقدّم ديوكهم خلالها، أفضل ما لديها لمساعدتهم.
كما الجنرال، يُشغل الأردنيون أنفسهم، بتسويات مؤقتة، تأجيلاً منهم لمواجهة كبرى، لكنهم يخسرون نظير حلْمهم، واصطبارهم الطويل.
ينتظر الجنرال خمسة عشر عاماً من دون طائل، ولا تُصرف مخصصات تقاعده، فيما يعجب القارئ كيف يتمكن هذا الحالم العجوز وأهل قريته من العيش حياة متواضعة ورتيبة وقاسية في آن.
قلة الأحداث في الرواية يوازيها حوار فلسفي يديره الجنرال مع زوجته المريضة، التي كانت تردد في الرواية مقولة: "المرء لا يمكنه أن يأكل الوهم"، فيجيبها زوجها: "لكن الوهم يغذيه".
(العرب اليوم. 2011-08-16)

ليست هناك تعليقات: