الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

بخصوص الجيش والشعب العنيد

"لا قتلة سلفيين ومجرمين مرتزقة في سوريا"، هكذا يقول أتباع أصحاب الفيل الجدد من ليبراليين إسلاميين وعلمانيين وتائهين شتّامين لسوريا، "هناك متظاهرون سلميون فقط".
ومن، إذن، يروع المدنيين وينكل بهم ويقتل..؟
إنه الجيش يقتل هؤلاء المسالمين ويروع المدنيين وينكل بهم. أما الجنود الذين يتم قتلهم والتمثيل بجثثهم، فهؤلاء، بحسبهم، أيضاً يقتلهم الجيش، لأنهم رفضوا تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين المسالمين!
تكررت القصة، وتكررت الحكاية، وكاد عدد شهداء الجيش العربي السوري يفوق، في حالة نادرة من نوعها في التاريخ، عدد القتلى من "المتظاهرين المسالمين"؛ ولم تسعف الملايين ولا الخبرات الإعلامية القنوات الفضائية للتوقف لحظة عند هذه المفارقة، لتنتشل نفسها من مستنقع الرغائبية والكذب الصريح الذي تسبح فيه، ولا يقبله العقل وينقضه المنطق..
والمنطق البديهي، الذي لا يحتاج لمعارف خاصة وعبقرية، يقول:
الجيوش، حتى أكثرها انضباطاً وعقائدية.. بل وإجراماً، تنكسر حينما توجه بنادقها إلى الداخل، وقد يؤدي ذلك إلى انخراطها في نشاط مضاد لقيادتها. ببساطة لأن ذلك يحطم عقيدتها القتالية؛ ولهذا تحرص الدول على الفصل الدقيق بين مهمات الدفاع الوطني ومهمات الأمن الداخلي.
ولهذا، أيضاً، رأينا زين العابدين بن علي يلجأ لاستخدام الأمن الداخلي بضراوة ويتحاشى استخدام الجيش. ولهذا ظل مبارك ثابتاً طوال فترة استخدامه للقوى الأمنية، وحينما لجأ إلى استدعاء الجيش إلى الشارع، وجد نفسه خلال أقل من أسبوع على متن مروحية تتجه به نحو شرم الشيخ!
الجيوش، التي تجد نفسها في وضع تطلق فيه النار على مسالمين داخل الوطن، لن تصمد أربع وعشرين ساعة، وتنهار كمؤسسة وتتفكك الروابط بينها كتشكيلات عسكرية، وتظهر في صفوفها الانشقاقات الحقيقية والفعلية، وليست تلك التي تروجها زوراً الفضائيات.
والفارق بين الانشقاقات المزورة والحقيقية ليس مستوى الرتب العسكرية العالي فقط؛ فالحقيقية منها لا تكون فردية، ولا تلقي بالسلاح، ولا تذهب لتصوير إعلانات دعائية، بل تحتفظ وحداتها المنفصلة بنفسها ابتداءً كتشكيل عسكري، وتفرض سيطرتها على المجال العملياتي المناط بها، وتتخذه منطلقاً لقتال السلطة الرسمية.
والأمر أسوأ من ذلك كثيراً بالنسبة للجيوش، التي تجد نفسها مضطرة لإطلاق النار على أفرادها، فهذه يكون انهيارها سريعاً، مع ردات فعل عكسية منفلتة وعنيفة؛ وإذا كان حدث في التاريخ قتل للجنود من قبل الجنود، فهو يحدث في العادة بالجبهات، وفي حالات الهرب من المعركة، الأمر الذي لا يخدش العقيدة القتالية، بل يعضدها ويزيدها قوة. 
وهذا، كله، يعطي صورة مختلفة عما يجري في سوريا على الأرض:
لو كان ما يواجهه النظام السوري ثورة شعبية، لكان من شأن الدواعي الأمنية، وهي هنا حاسمة، أن تدفع به للامتناع عن اللجوء إلى الجيش، وإيكال المهمة لواحد أو لكل السبعة عشر جهازاً أمنياً ضارباً جامعاً مانعاً، التي لم يكل ولم يمل أتباع أصحاب الفيل الجدد من الحديث عنها؛ والأمر أدعى لتلافي وتجنب اللجوء إلى استخدام الجيش، في حالة نظام يصفه هؤلاء بـ"عصابة العائلة الواحدة"!
والمنطق يقول أن النظام السوري الذي لم يتردد ولم يخش اللجوء إلى الجيش، مطمئن لشرعية هذه الخطوة، ولكونها مأمونة ولا خطر أمني منها عليه؛ ورأينا بالفعل أنه لم تكن لهذه الخطوة أية ارتدادات عليه، رغم أن مدة استخدام الجيش امتدت لشهور!
وبالمقابل، يكشف لجوء النظام السوري إلى استخدام الجيش عن نوعية من التحدي الذي يواجهه، ويشير إلى أن الأمر أكبر من خلل أمني داخلي. ويؤكد أنه في أساسه خطر خارجي، أو على الأقل طارئ على النسيج الاجتماعي، ولا يحظى بالقبول والتأييد الشعبي.
وفي الأثناء، فإن التماسك البسالة التي يبديها الجيش، في أداء واجبه، يكشفان عن قناعة وإيمان بهذا الواجب ووطنيته؛ ومن حيث المبدأ، فإن مثل هذه القناعة والإيمان لا يمكن أن يتوافرا لجيش يواجه شعباً، ولكنهما يتفجران في قلوب الجنود الذين يدركون بحكم المواجهة الميدانية ويرون مباشرة من خلال المشاهدة العيانية تهديداً سافراً للوطن والشعب، وطارئاً عليهما؛ وأن تدخله وتعامله مع هذا الخطر يحظى بقبول وتأييد شعبي.
لا يقوى جيش يعانده شعب على الاستمرار؛ والجيوش تنتصر لحاكم في أزمة سياسية وضد انقلاب، ولكنها لا تقوى على قتل أهلها وشعبها ومواطنيها لأجل حاكم، حتى ولو كان عادلا ومحبوباً!
وسبق أن لاحظت أن "الثورة"، أو بالأحرى "الأعجوبة" السورية، خلافاً لكل "ثورات" ما أسماه الإعلام الغربي بـ"الربيع العربي"، التي جهدت تحاول استمالة الجيش وتتجنب استعدائه؛ تميزت بالمبادرة الفورية إلى التعزير على الجيش، واستهدافه بماكينتها الإعلامية بضراوة، ناهيك عن قتل أفراده والتمثيل بجثثهم ميدانياً.
وباعتقادي، فإن ذلك يؤكد أن السيناريو المعد لسوريا تجاوز مرحلة قلب نظام الحكم من خلال "ثورة ملونة"، إلى مرحلة  تهيئة الأرض لشن حرب إسرائيلية داخل سورية!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

ما زات تعتقد ان ما يحدث هو ليس ثورة شعبية؟!!!!