الاثنين، 25 يوليو 2011

أخوّة إخوانهم وإخواننا


شكل لبنان أثناء حربه الأهلية الطويلة ساحة مفتوحة، للعمل السياسي والحزبي والعسكري؛ وكان من المعتاد أن تتوالد فيه كل أنواع التنظيمات، ناهيك عن أن التنظيمات العربية التي تتعرض لضربات موجعة في بلدانها كانت تزحف إلى لبنان.
بالنسبة للكثير من التنظيمات، التي يمثل لها الصراع مع العدو الصهيوني حقيقة أساسية، كان لبنان ساحة متاحة، لا تتطلب إعادة اختراع أو اكتشاف. كانت ساحة موجودة، ومزدحمة بالقوى المماثلة، هامشية ورئيسية، ولم تعدم الفرصة ولا الوسيلة في ممارسة قناعاتها.
لبنان بظروفه الفريدة، أثناء تلك المرحلة، كان ملعباً اتسع لمهرجان من القوى المتناقضة، الصغيرة قبل الكبيرة؛ لأن تقاطعات المصالح، ومناطق النفوذ، كانت أكبر من أن تخضع لسلطة واحدة.
وكانت سوريا، عبر نفوذها ووجودها العسكري المباشر، قوة مؤثرة؛ لكنها لم تكن مع ذلك قادرة على الحد من هذه الظاهرة، حتى حينما كان الأمر يتعلق بتنظيمات لا تحظى برضاها؛ لأن هذه كانت تجد بدورها حواضن أخرى، تؤمن لها الحماية.
وعملياً، فإن إخوان سوريا، الذين ما يزال هراءهم حول النظام السوري "العلوي" الذي "لم يطلق طلقة واحدة في الجولان"، كان بإمكانهم بعد خروجهم من سوريا، على الأقل، أن يتجهوا لتفجير الجولان من لبنان. وفي حدّ أدنى تسجيل مشاركة في مواجهة الإسرائيلي في لبنان. ولم يكن الأمر صعباً، فحينها كان كل "أبو فلان" ينشئ تنظيماً مسلحاً ويقوم بالواجب، ولو في حدود دنيا.
ذلك لم يخطر ببال إخوان سوريا، ولم يكن بواردهم. لأنهم في واقع الأمر ليسوا مشغولين بالجولان أو فلسطين، ناهيك عن مناجزة الإسرائيلي؛ فهم في حقيقة الأمر جماعة تبلور عقلها السياسي في ظل مؤثرات طائفية حادة، وجلّ همهم ومشروعهم هو النجاح بتفيذ انقلاب طائفي في بلدهم، بأي وسيلة ممكنة.
وهذه، على ما يبدو، نزعة متأصلة! 
لذا، آثر إخوان سوريا الاستفادة من المنفى الأوروبي، الذي كانت سياسة "التعاطف" الأمريكي منذ عهد كارتر توفرها لهم، في سياق المكافأة على دورهم في أفغانستان؛ بل أن نخبتهم لم تتجه كما نخب اسلامية أخرى لـ"ساحات الوغى" في هذا البلد المنكوب، واختارت الحضن الأمريكي في أوروبا بدون تردد.
ولم يكتفوا بذلك؛ بل عمموا من خلال شبكة إخوانهم في العالم العربي فتاوي تنزع صفة الشهادة عن من يستشهد في مقاومة الإسرائيلي في لبنان، وتحولت هذه الفتاوي إلى هجمة تكفيرية أثناء الاجتياح الإسرائيلي مكرسة في وجهة واحدة: الحدّ من تطوع الشباب العربي للقتال في لبنان.
وهذا أمر شهدناه في الأردن، حينها، على شكل حملة "إخوانية" مسعورة!
واليوم، فإن أوراق إخوان سوريا تتكشف من خلال عدة معطيات تفوح منها الرائحة الأمريكية الإسرائيلية، ومنها الالتزام للإسرائيلي بالاعتراف بحقه في الوجود، وتعاونهم في التآمر على سوريا، الذي جسدته وثيقة المكتوبة بخط البيانوني التي تعود إلى عام 2004 وتكشف رغبتهم في استيراد التجربة العراقية في "التحرير" إلى سوريا، من خلال طلب تدخل الحزب الإسلامي العراقي لإقناع الأمريكيين بخيار التدخل العسكري.
وعليه، فإن إخواننا حينما يتمسكون بإخوتهم للإخوان المسلمين السوريين، ويواصلون ترديد ترهاتهم القديمة حول النظام السوري، التي يشاركهم فيها نفر من الليبراليين العلمانيين المتمولين من المؤسسات الغربية، ويدافعون عنهم، ويحلفون بـ"شرفهم"، فإن ذلك لا يفعل شيئاً إلا أن يضعهم (أي إخواننا) في دائرة ريبتنا وشكنا المشروع.
وذلك يعيدنا للتفكير بالنزعة الطائفية والإقليمية والظلامية، التي تتخفى في خطابهم الديماغوجي!
وهنا، أيضاً، فإن الموقف "الأمريكي" لإخواننا المسلمين من الإصلاح في سوريا، وتبنيهم سيناريوهات التدمير والخراب في هذا البلد الشقيق، يثير بالفعل مخاوف بالغة على حقيقة موقفهم من الإصلاح في الأردن؛ فمن يريد الإصلاح في الأردن، لن يطاوعه قلبه على التهليل والترويج لسيناريو الدمار والخراب "الاستراتيجي" في بلد شقيق ومجاور، له موقع وأهمية سوريا!

ليست هناك تعليقات: