دخلنا
ما أطلق عليه الإعلام الغربي "الربيع العربي" بينما كانت الحرب تطل
بموجات من التوتر بين الكيان الغاصب
و"حزب الله"، ولم تتراجع إلا على وقع الخسارة التي منيت بها إسرائيل في
تونس ومصر؛ ولكن هذه الخسارة، بفداحتها، فتحت الأفق الإسرائيلي على إمكانية
الاستثمار "الثوري" في جبهة الحرب.
لم
يكن هذا صعباً، لعوامل عديدة منها أن الشارع العربي مأخوذ ومندفع بكليته في
الترحيب بإطلالة "الربيع"، وجمهور الجبهة المستهدفة يعيش مثل غيره تحت
وطأة جوعه إلى الإصلاح والتحرر؛ فيما الحلفاء الإقليميون يتلهفون على مشروع تغيير
انتقامي، وبأية وسيلة واتجاه؛ والسيناريو كان جاهزاً، و"أبطاله" ينتظرون
منذ وقت في "الحافلة" الأمريكية؛ ناهيك عن أن التفاصيل العملياتية كان
قد تم اختبارها برضا (حتى ذاك الحين) في ليبيا.
وفي
الواقع لا تتطلب الحرب انجاز التغيير. إنها تتطلب وحسب ضرب الجبهة المستهدفة
بداخلها، وإجهاد عقلها الذي اعتاد التعامل مع معادلات المواجهة مع الخارج،
بمعادلات غير معتادة تقوم على التعامل مع المواجهات الداخلية، وإطفاء الحرائق في
البيت الخاص.
هذا
واقع تعيشه سوريا اليوم؛ وليس من المستغرب أن الحملة الإعلامية المسعورة التي
تستهدفها، لا تكتفي بتوجيه سهامها نحو النظام، بل توجه جل اهتمامها نحو استهداف
الجيش وعلاقته بالشعب، على نحو لا يستطيع المراقب المنصف إلا أن يلاحظه، ويلحظ أن
هذا التكتيك خاص بالحالة السورية.
ولم
نشهده في تونس، ولا مصر، ولا ليبيا، ولا اليمن، ولا حتى البحرين، سواء في حالة
جيشها أو قوات درع الجزيرة!
لقد
تعامل هذا الإعلام مع الجيش في مصر وتونس باعتباره حصن الشعب الأخير، وملاذه
الوطني؛ وملجأه، ومستقبل شكواه وضامن أمنه. والحال لم يختلف كثيراً في اليمن
والبحرين، حيث بقي الجيش مصانا من القدح والذم الإعلامي، لا يسائله الإعلام عن
دوره وواجبه الوطني، ولا يدينه إن تدخل، ولا يعتب عليه إن لم يفعل.
بل إن
الإعلام يتجنب إدانة الجيش الليبي ويوجه اتهاماته مبنية للمجهول، ويوجهها
لـ"كتائب القذافي"؛ وهو مصطلح لا نعلم من أين تم إسقاطه، ولا ما هي
المعايير المهنية التي شرعته!
ويختلف
الأمر في سوريا، فسعي الإعلام محموم لإدانة جيشها العربي السوري، وتحطيم صورته كجيش
وطني، مع إعادة إنتاج وترويج صورته كجهاز أمن داخلي قمعي، يقتل الشعب ويستبيح
حياته وحرماته؛ وذلك في موازاة جهد ميداني تخريبي يتركز على إيقاع الضحايا في صفوف
الجيش وفق سيناريوهات يتم إخراجها بحيث يبدو شهداءه ضحايا الغضب الشعبي.
وبكلمات
أوضح، فإن هذا الجهد المحموم والمشبوه يرمي بوضوح لإحداث شرخ في علاقة الشعب
بالجيش، ضمن مسلسل تواصل ليستهدف حلفاء النظام المحتملين بأية حرب مقبلة: إيران
و"حزب الله"، من خلال نشر الإشاعات التي زعمت أن هذين الحليفين يقدمان
المساعدة الميدانية في قمع المتظاهرين وقتل السوريين؛ وذلك في جهد واضح لسحب
التأييد الشعبي الذي تحظى به العلاقة مع هذين الحليفين.
كانت
معضلة إسرائيل قبل "الربيع العربي" أن أية حرب مقبلة لن تكون ثنائية؛
فقد شهدت تلك الفترة تصريحات سورية على لسان وزير خارجيتها تكررت أكثر من مرة
مؤكدة أن سوريا لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما ذهبت إسرائيل لشن حرب على لبنان.
وتكررت هذه التصريحات في مرة تالية بكلمات أكثر صراحة، وقالت أن سوريا ستشترك في
أية حرب مقبلة!
ولم
تكن هذه التصريحات ارتجالاً مجانياً؛ فقد جاءت لتخرج عن سياق التصريحات السورية
المعتادة التي تركز على "الاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب". وهم
معروفون بتجنب التلويح بالحرب، حتى في ظل أقسى الظروف وأقصى الاستفزازات، طالما أن
ليس لديهم استعداد فعلي لخوضها.
واليوم،
فإن إسرائيل، التي تدرك أن تَجنُّب المواجهة من شأنه أن يزيد من تغير موازين القوى
العسكرية والسياسية، تستعجل مفاعيل "الثورة" وتأمل أن تضعف احتمالات
الاستعداد السوري للمشاركة أو دعم الحليف اللبناني في أية حرب مقبلة، وهنا، يبدو السياق
الإعلامي الخاص الذي تتعامل به وسائل الإعلام الرسمية العربية ("الجزيرة"
و"العربية" وأخواتهما)، لا سيما في التعزير على الجيش السوري، ليس
بريئاً أبداً، ولا يعدو كونه جزءاً من الدور "الاعتدالي" العربي، في
التهيئة لحرب إسرائيلية ناجحة.
ويمكن
أن نلحظ هنا، وعلى نحو لافت، أن هذا الجهد الإعلامي المحموم لا يعتني بالهجوم على
حزب البعث!
وباختصار،
يمكن القول أن الجيش العربي السوري، الذي يفترض أنه بلغ مرحلة جهوزية للحرب وجرؤت
قيادته على إعلان هذا الاستعداد، هو أحد أهم المستهدفين من المؤامرة على سوريا؛
وهو هدف يسبق في أهميته حزب البعث والهيكل السياسي للنظام!

هناك تعليق واحد:
رائع...صح لسانك كلام سليم...
إرسال تعليق