الأربعاء، 13 يوليو 2011

تبييض الاستعمار وغسيله


ليس هنالك عنوان آخر لما يجري من حولنا، اليوم، في المدى المفتوح من ضجيج إعلامي ينقلب على المفاهيم الأساسية، سوى إعادة تبييض للاستعمار، في تمثل واضح للعمليات غير الشرعية لتبييض وغسيل الأموال.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن الحديث عن تبييض الاستعمار ليس حديثاً مجازياً، بل هو حديث واقعي؛ وأن القول بأن تبييض الاستعمار يتمثل حالات غسيل الأموال، ليس مجرد تعبير مجازي، كذلك، بل يشير إلى علاقة وطيدة بين الظاهرتين؛ ولنتذكر أن غسيل الأموال الذي يجري في بلدان معروفة مثل قبرص وبعض الجزر التائهة في المحيطات، التي تم تحويلها إلى بلدان لا تحتوي إلا على منتجعات تنتصب إلى جوار البنوك، معروفة أيضاً. ولا تحتاج "لتـتوب" لأكثر من زجر وقرار من الراعي الرأسمالي، الذي يصر على الاحتفاظ بجيوب جانبية خاصة، خارج منظومته الاقتصادية والمالية العالمية.
وعلينا هنا أن نتذكر أن الأموال التي نهبت وتم تهريبها في خضم الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، جرى استثمارها في إيجاد وكلاء جدد، يتمتعون بالفعالية الاجتماعية والاقتصادية، والقدرة على توظيف المقدرات لبناء "مؤسسات" اقتصادية تمسك بمفاتيح الداخل بأكثر من مفتاح ومجال (خودوروفسكي في روسيا)..
وعلينا، كذلك، أن نتذكر أن الأموال التي نهبت وتم تهريبها في خضم حروب "التحرير" الأمريكية في العراق ويوغسلافيا وأفغانستان، جرى استثمارها في إيجاد نخب سياسية موالية ومرتبطة عضوياً بالمشروع الإمبريالي الجديد؛ وأفغانستان والعراق وجورجيا، وحتى أوكرايينا، أمثلة صالحة للدراسة.
وعلينا، بالمقدار نفسه، أن نتذكر أن الأموال التي نهبت ودفعت لتمرير الانقلابات العائلية البيضاء في بعض الدول الحليفة وبعض الإمارات الطارئة، تم توجيهها لإيجاد سيطرة على الفضاء الإعلامي في الدول المستهدفة، قادرة على استدرار شفقة الشعوب ودموعها على السفاحين بينما يعملون فيها قتلاً وتقطيعاً..
تماماً، كما علينا أن نتذكر أن العقدين الماضيين شهدا تشجيعاً أمريكيا وأوروبياً للنخب في البلدان المستهدفة على الهجرة وطلب اللجوء السياسي، وتسهيل استقدامهم وتجميعهم في بؤر ممولة، أو دفعهم للارتزاق بالتزلف لـ"قيادات" كان يجري إعدادها وتحضيرها، لتتصدر الحملات على أوطانها، ثم تتقدم الجيوش على "صهوة" الدبابات المحتلة، كما جرى في العراق.
علينا أن نتذكر في هذا السياق، أيضاً، هجمة التمويل العالمية، التي سعت إلى اختراق النخب المثقفة والإعلامية في العالم العربي خلال العقدين الماضيين، لتحويلها إلى نخب مرتبطة، أو إيجاد نخب بديلة تؤدي واجباتها دون أن تكثر من الأسئلة، أو حتى تتساءل بينها وبين نفسها.
وعلينا أن نلحظ، أن عمليات غسيل الأموال التي شغلت العالم في العقدين الماضيين، كانت في حقيقة الأمر ظاهرة مرتبطة بشكل عضوي بكل هذه العمليات، وأداتها الرئيسية لإيجاد التمويل اللازم وتمريره وضخه وإعادة ضخه مراراً وتكراراً؛ أما الجهد الدولي لمكافحة هذه الظاهرة، فلم تكن إلا جهوداً تستهدف القوى "المارقة"، من دول وتنظيمات سياسية وحركات متطرفة إلى جانب الجهد التقليدي في التضييق على بعض المافيات المنفلتة من عقال النظام الرأسمالي العالمي، ومنعها من الاستفادة من القنوات التي فتحت خصيصاً لتسييل المقدرات وضح الأموال المعومة، وهو ما أصطلح عليه بـ"تجفيف المنابع".
لذا، لا يمكن في الواقع الحديث بموضوعية عن غسيل الأموال بدون الحديث عن غسيل الاستعمار وإعادة تبييضه، الذي تجلى صريحاً دون مواربة في تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وبعض غيره من الأوروبيين، التي ذهبت إلى القول بأن الاستعمار كان جيداً للشعوب المستعمرة!
إنهم يغسلون الأموال، ويعيدون تبييض (إنتاج) الاستعمار!

ليست هناك تعليقات: