لاحظت،
في الفترة الأخيرة، أن بعض المتحمسين لآرائهم حول ما يحدث في سوريا، يلجأون للزعم
عند أول جملة تناقش آرائهم بأنهم عاشوا طويلاً في سوريا، ولذا فهم يعرفون أكثر من
غيرهم؛ وتطور الأمر مع بعضهم، فادعوا أنهم سوريين، باعتبار الجنسية السورية تعطيهم
الغلبة وتعفيهم من النقاش، عن طريق التزكية على مبدأ "أهل مكة أدرى
بشعابها"..!
وما
كان من داع للنقاش، أصلاً، لو كان الموضوع يتعلق فعلاً "بمكة التي أهلها أدرى
بشعابها"؛ ولاكتفينا بسؤال أول من نصادف من أهل سوريا، واتبعناهم بما يقولون،
بل ولناصرناهم على من لا يتبعهم من أبناء بلدهم!
هذا ما
يفعله معسكر من المناصرين العرب لـ"الثورة" السورية؛ يناصرون في أقل
الأحوال، بعضاً لا يعرفونه ولا موثوقية بوجوده وإخلاصه ونوياه؛ يناصرونه ضد سوريا، وضد من يرفض
من أبناء شعبها أن يردد وراء الإعلام الخارجي مزاعمه.
وجهاراً نهاراً، يسقطون من اعتبارهم التدخل الخارجي، ويناصرون بعضاً مجهولاً في سوريا ضد غالبية معلومة، واضحة الهوية، وطنية الإنتماء، نظيفة الارتباطات!
وعند هؤلاء، لا يجد مثل هذا السوري، الموجودة
غالبية في الداخل، تعاطفاً منهم إن قتلت العصابات المأجورة أمه وأبوه، وأخته وأخيه، وأبنه
وابنته. وإن اعترض على الحماسة العربية، وحاول توضيح ما يجري، لا يجد من هؤلاء "الثوريين"
على حين غرة، إلا الاتهامات والتشكيك، والزعم بأنه عنصر مدفوع من المخابرات
السورية!
وفي الواقع،
يناصر هؤلاء "الثوريين" على حين غرة، كل أحد على سوريا؛ لذا يناصرون
"ثورة" لا يعرفون لها برنامجاً، ولا قيادة، ويعفون أنفسهم من مساءلتها
عن مواقفها من مستقبل سوريا ودورها وموقعها من قضاياها القومية، فيكررون الأقوال والمزاعم وراء برنارد
ليفي، الذي يحب أن يؤكد: "الحرية لا تتجزأ" و"الحرية
فوق كل اعتبار".
ولا ينتبهون في الأثناء أنهم
يتفقون معه في الموقف النهائي من المقاومة والممانعة، ولكنهم يختلفون معه جذرياً
في الاعتراف بها؛ فينكرون ممانعة ومقاومة سوريا، ولا يتورعون عن القول بأن الممانعة
خرافة والمقاومة كذبة، بينما ينطلق نبيهم ليفي من هاجس الخلاص من الممانعة وضرب المقاومة،
اللتين يراهما مشكلته ومشكلة إسرائيل الحقيقية.
وهما يشكلان دافعه الرئيسي للاهتمام
بـ"حرية" الشعب السوري!
على
أية حال، أردت أن أنوه إلى أنني لست من سوريا، ولم أقم فيها، وزرتها منذ سنوات
بعيدة لأيام زيارات متقطعة، وروابطي فيها، لا تسمح لي أن أنطق باسم أحد من أهلها
أو أن أنوب عن أحد منهم. لا البعثيين الحاكمين، ولا المعارضين، أو المحكومين.
وانطلاقاً من أنني لا يمكن أن ألجأ إلى خداع من يقرأ كلماتي، بهذه الطريقة أو
سواها، فإنني أريد أن أشير إلى أنني أعتز بما أكتبه لأنه يمثل قناعاتي النهائية
وغير النهائية..
مرة
كذا، وأخرى كذاك..!
والنهائية
هي التي أنا على قناعة تامة بها، عن حق أو خطأ؛ وغير النهائية هي الكتابات التي
تناقش بعض الأفكار المتهافتة التي أتعثر بها في طريقي، وتستفزني باستخفافها بعقلي
ووجداني، لا سيما حينما تصدر عن مثقف من أولئك الذين يصرون على تثبيت أسمائهم
مطبوعة على الورق. والذين هم بشكل أو آخر مسكونون بضرورة "احتلال" الصفوف
الأمامية، في الصحافة أو الأدب أو الثقافة عموماً.. أو السياسة، بأي ثمن. وأعني، على وجه
الخصوص، زبائن الاعتدال هايبر ماركت!
وهناك
من بينهم أدعياء..!
وبعض
كثير منهم يعانون من فجوات معرفية، يلزمهم لتداركها العودة إلى الصف الأول
الابتدائي. وهؤلاء مشكلتهم غير مستعصية؛ لكن منهم من ليس بوارد أن يعيش أزمة ضمير؛
فيبدأون بكذبة صغيرة، ولا ينتهون عندها. ويتقمصون الكذبة ليصدقها الناس، وفي حمأة
تقمصها ليصدقها الآخرون يصدقونها هم أنفسهم..
والكذبة
لا تندرج فقط في باب تلفيق الأفكار، بل وتلفيق الحقائق وحقيقة المواقف!
وعلى
سبيل المثال: يدّعون أنهم كانوا أعداء أمريكا، ولكن القذافي (سامحه الله!) اضطرهم
إلى تأييدها وصداقتها ومحبتها. برغم أنهم كانوا يجاملون أسوار سفارتها، قبل ذلك
بسنين، بالورود والشموع وما جادت به عيونهم من دموع، طالبين التفاتة رضا!
ومثلاً:
يهاجمون الآخرين ويعنفونهم مطالبين بأن يهتموا بالوطن لا بالديكتاتور، بينما هم يحرقون
الوطن وشعبه للانتقام من نظام لم يضع "الاعتدال العربي" محبته في قلوبهم!
ولا
يبقى هنا، في هذه الظروف، إلا أن أحمد الله أنني لست سورياً، فلا يكون بوسعي أن أفعل
شيئاً، بينما يحاول بعض الأشباه والأدعياء اغتيال وطني بزعم الدفاع عني!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق