ثمة
حرص بديهي للتمييز بين المعارضة السورية في الخارج المتساوقة في جلها مع العدوان
على بلدها، ومعارضة الداخل التي تتمسك بوجودها في وطنها، وبالسقف الأخلاقي لذلك؛
وتضع أساساً لتمايزها، عبر مسارين:
الأول؛
عدم إقرار شعار إسقاط النظام، باعتبار ظروف سوريا، التي عاشت عقوداً تحت نظام
الحزب الواحد الذي تمتزج فيه مؤسسة الحزب بمؤسسة الدولة، ويتشابك دوراهما بشكل
كامل، بما يذكر بنموذج الدولة السوفيتية، وعليه، فمن شأن شعار إسقاط النظام أن
يعني ببساطة إسقاط الدولة نفسها، ويبشر بالنموذج الليبي وربما العراقي.
لذا،
يذهب هذا الشق من المعارضة إلى المطالبة بمرحلة انتقالية للعبور إلى نظام تعددي.
الثاني؛
رفض التدخل الأجنبي، بصنوفه وخياراته المتعددة، باعتبار آثاره المدمرة، التي تشهد
عليها التجارب القريبة والبعيدة، ولأن هذا التدخل لن يفعل سوى تنصيب ديكتاتورية
جديدة تقوم على حلفائه من معارضي الخارج المدعومين بجنسيات أجنبية وبعضوية الحزب
الجمهوري وغيره من المؤسسات والتنظيمات الغربية المعادية.
وللأمانة،
ليس كل أقطاب المعارضة السورية في الداخل واحد في ذلك. إذ تتباين مواقفهم ودرجات
تبنيهم لهذين المسارين، ناهيك عن أنه لا يندر أن يتصرف أعضاؤها في الواقع بما يتناقض مع
هذين المبدأين، في تماه بدرجات مع معارضة الخارج. إلا أن ذلك، يؤكد أن هذين
المسارين هما ما يميز معارضي الداخل عن أقرانهم في الخارج.
المشكلة
في سوريا، أن الشرعية الشعبية غائبة ومفقودة. أو على الأقل غير معلومة، وهذا ينطبق
بالدرجة الأولى والأساسية على المعارضين من الشقين، إذ أنه من غير الممكن الحديث
تمثيل شعبي لمعارضة الداخل التي تبدو في السياق مجموعاً متحركاً من الأصوات
المعارضة، أما الخارج فاعتماده مكشوف ومفضوح على القوى الدولية.
وهذا
ليس تحليلاً متعسفاً من الخارج؛ بل حقيقة يقر بها معارضو الداخل، الذين يعترفون
بأنه لا سلطة لهم على قوى الشارع، ولا يملكون أدنى سيطرة عليها أو على جزء منها.
وينطبق ذلك على معارضة الخارج، التي لا خيوط تربطها بحركة الشارع، إلا عبر بعض
أوساطهم التي تقوم بدور تخريبي مشبوه يساند العدوان على بلدهم.
وفي
السياق نفسه، فإن الأحداث في سوريا وضعت شرعية النظام على المحك، باعتبار أنها
شرعية غير ديمقراطية، لم تستند إلى الخيار الشعبي الحر. وهذا يضع النظام أمام تحدي
البحث عن هذه الشرعية.
وهنا،
يبدو النظام، والمعارضة الخارجية، ومعارضو الداخل، ولو نظرياً، سواسية: وكل منهم
يتحدد مصيره وفق ما يقرر الشارع السوري، الذي قد يختار، كما حصل في مصر مثلاً، أن يعبر عن نفسه بعيداً عن المعارضة التقليدية،
بشقيها الخارجي والداخلي، وقد يذهب إلى التحالف (أو التشارك) مع إحدى زوايا هذا
"الثلاثي"، كما حدث في مصر أيضاً حينما ذهب شباب الثور للتحالف مع
القوات المسلحة.
يمكن بطبيعة
الحال، أن تتم معالجة سؤال الشرعية من خلال الحسم بالقوة، من خلال لجوء أحد
الأطراف الثلاثة إلى إقصاء البقية، والتفاوض مع مفاتيح الشارع. على أنه يمكن أن
نلاحظ أن القوة، هنا، متعددة الأوجه، حيث يمكن أن تعني اختطافاً ناعماً لمسار
الأحداث. وفي هذا الخيار بكل أوجهه، تبدو حظوظ النظام هي الأقوى، وحظوظ معارضي
الداخل معدومة تماماً.
وإذا استثنينا
إمكانية اللجوء إلى هذا الحسم، لا يتبقى أمام السوريين سوى الحوار الوطني؛ فهو
الأكثر نزاهة وانسجاماً مع مستقبل يريدونه حراً وديمقراطياً، ويؤمن حلاً داخلياً
للأزمة السورية بعيدا عن السيناريوهات الخارجية المدمرة، للدولة وشعبها ونظامها
على حد سواء. كما أنه يوفر للأطراف الضعيفة وغير المتبلورة سياسياً في المجتمع أن
تعبر عن نفسها بالقدر الذي يضمن مشاركتها الفعلية في تقرير مصير البلاد.
وهذا ينطبق
على معارضي الداخل بالدرجة الأولى، وأية تشكيلات وحركات قد يفرزها حراك الشارع.
وصولاً
إلى هنا حيث طاولة الحوار الوطني، يبرز مسار أساسي للفرز ويتوقف على خيار المعارضة،
بشقيها الخارجي والداخلي: أتذهب لمشاركة الشعب السوري، بكل أطيافه ومنها النظام،
في إنجاز هذا الاستحقاق الوطني، أم تقفز للتشارك مع الأمريكي وأشباهه في رسم
مستقبل وطنها.
بناء على هذا الخيار، سيكون بالوسع الحكم نهائياً، وبشكل قطعي، على هذه المعارضة: أهي وطنية،
أم متهافتة ومخترقة!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق