تتخصص وسائل إعلام وبعض
التيارات السياسية بترويج أفكار جاهزة حول الحالة السورية، تتسم بالعشوائية، وسبق
أن واجهناها في أكثر من لحظة مفصلية؛ والمؤسف أن هذه المواقف تجد سبيلها بسرعة
البرق إلى كثير من المثقفين، فيرددونها بالحرف والكلمة، مع أنها بالأصل معدة
لاستمالة "عامة" الناس..!
الأدهى أن كثيراً من
المثقفين يبدون أكثر تسرعاً من سواهم في تبني من أفكار تتطابق مع مواقفهم المسبقة،
بينما "عامة" الناس يبدون أكثر حذراً وريبة، ويظهرون تردداً ملحوظاً
إزاء إعادة تدوير الأفكار الجاهزة.
من جهة أخرى، تبقى
"الأفكار الجاهزة" العشوائية واحدة من السمات، التي تميز بها تعامل
الإعلام العربي (الذي هو رسمي بمجمله) مع الحالة السورية، وقراءة متأنية لعناصرها
تقودنا إلى جملة من الأفكار المتسربة عبر برقيات السفارات الأمريكية، التي كشف
النقاب عنها "ويكيليكس".
لقد اختطفت الانتفاضة
الليبية، وبات "الثوار" الليبيون لا يتحركون خطوة بدون أن يتلقوا
إحداثيات الحركة من طائرات الناتو، بينما قيادتهم السياسية، لا هم لها إلا استجداء
الغرب المساعدات المالية، التي بقدرتها القادرة ستجهز للشعب الليبي منظومة الفساد "اللائقة"
والجاهزة لحكمه.
وسيقال حينها في
الإشارة إلى الحكم الجديد: أردأ خلف لأسوأ سلف!
انتفاضة الإصلاح
والتغيير في سوريا تواجه نفس المصير؛ هناك جهد يمضي لاختطافها، ويبدو الجو العام
الموبوء مهيئاً: فهناك معارضة مرتبطة بالخارج، وفي الداخل معارضة نخبوية مشلولة
الإرادة بلا رؤية، ولا تمتلك القدر الكافي من العزيمة على القيام بدورها، وهناك
شبكات التهريب "التاريخية" التابعة لريبال الأسد وجمال خدام، التي
انقلبت إلى أداء دور تخريبي وتنجح يوما بيوم في امتطاء الحركة الشعبية، وتثبت أنها
الأقوى في المعادلة، إذا استبعدنا النظام نفسه!
وعملياً، فإن القدر
يسخر هنا من الجميع: من النظام وخصومه؛ إذ يبدو النظام هو الطرف الوحيد القادر على
حماية انتفاضة الإصلاح والتغيير من الاختطاف الخارجي؛ ويصدف أنه فعلاً -خلافاً
لسواه من الحالات العربية الأخرى- معني بحمايتها، وكذلك بالتجاوب معها.
ولحسن حظ سوريا، فإن
الأفكار الجاهزة التي تنجح بسهولة في استمالة المثقفين، فتحولهم إلى أداة تدوير مجانية
في خدمة مطلقي المواقف العشوائية، تثير ريبة الإنسان "العادي" وتدفعه
للتفكير!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق