تلقيت
عتاباً أخوياً أخذ علي أنني حاد في المنافحة عن آرائي. ولامني من موقع الأخوة، ولم
يقبل مني قولي أني أتقصد ذلك. وأصرّ على أن التقصد، في حال جاوزت الأمور الحد،
مقبول بأسلوب واحد: الصمت!
وبدوري،
لم أقبل ذلك. وفي ظني أننا اكتفينا من أنماط "المخاجلة" الشفوية في القضايا
العامة، لا سيما أن حالات التجاوز والتجني والابتزاز العاطفي والإرهاب الإعلامي،
وصلت إلى حدّ "التشبيح"، حيث تحولت مجموعة ممن ملأوا الدنيا صراخاً وزعيقاً
حول "شبيحة ماهر الأسد" إلى شبيحة ثقافيين بكل معنى الكلمة..
لقد
تفهمت العتاب؛ ولكن اللوم بمصدره الأخوي أزعجني، فقلقـت من سجائري أن لا تكفيني، لذا
مضيت أبحث عن "تعزيز". وكنت مذهولاً أفكر بينما أنا أمضي في الطريق
لشراء علبة سجائر:
من
المدهش جداً أن يبذل مثقف، غاية جهده في محاولة إقناع مواطن غاضب عن حق، (وله
الحق)، بالفرق بين اليهود واليهودية. ويصرف جهداً في المنافحة عن اليهودية وصحتها
كدين سماوي منزل، وأنها واليهود لا علاقة لهم بالصهاينة؛ ولكن هذا المثقف نفسه،
يتحول بسرعة البرق إلى "شبيح ثقافي" حينما يتعلق الأمر بمحاولة فهم ما
يجري في سوريا، أو حين تطلب منه أن يفرق بين معارضة مرتبطة خارجياً، وأخرى محلية..
يرفض
أن يلاحظ أن الأخبار حول "الثورة السورية" تحولت إلى أخبار عن عصابات
مسلحة تجوب البلدات السورية، تقتل المدنيين الآمنين وتروعهم، وأن "الثورة
السورية" هي الأكثر تسجيلاً لعدد الضحايا من الجيش، والمتفردة عربياً
بالتزييف الإعلامي (لم يلفق أحد على النظام في تونس ومصر، ولا حتى على اليمن
والبحرين. بل كان الإعلام يمرر أحياناً تزيفاً رسمياً من هذه الأنظمة..!).
يرفض
مجرد أن يلاحظ..
تماماً،
كصديقنا الذي لا أظن أنه يعرف أنني، "بلغت" في السجن، مع أعضاء المكاتب
السياسية واللجان المركزية للأحزاب المعارضة الأردنية؛ ولا يزال التعذيب (الذي
يستهونه ويضعه في ميزان حسنات أجهزة الأمن الأردني وبركاتها، ويفرد لذلك ثلث أحد
مقالاته كاملاً) يترك آثاره على ساقي اليسرى ومفصل إبهامي الأيمن بعد 23 وعشرين
عاماً. إضافة إلى أنني لغاية اليوم لم أنته من دفع الثمن (والله لو كنت مديون لبنك
الإسكان كان زمان خلصت!).
ولا
ما يشفع لي، ولا لغيري من أعضاء الهيئة العامة لرابطة الكتاب الأردنيين، بأن نحظى
بلحظة إنصات تتبعها لحظة تفكير ونقاش، إن حاولنا أن نفكر بشكل حرّ، لنفهم بشكل حر،
كذلك، حقيقة ما يجري في سوريا؛ وما يثير السخرية هو أن نجد أنفسنا مطالبين من قبل
"شبيحة ثقافيين" بأن نعطل عقولنا ونؤجرها لمحطات التلفزة والإعلام
الرسمي العربي..!
لقد هبط
هؤلاء الشبيحة الثقافيون علينا مدججين بما هو أسوأ من أسلحة المارينز، ووضعونا
أمام خيار وحيد: إما أن نؤيدهم في موقفهم ونتبعهم دون نقاش وتفكير، وإلا فالموت
لنا..!
إنها ديمقراطية
المارينز المعهودة، التي تعقب عملية إنزال مظلي في حي آمن؛ و"بلطجة" "شبيحة"
ظنوا أن الفرصة ملائمة ليتحرروا من وجههم الثقافي المزيف!
أصدقاؤنا..
أنتم
تعلمون أننا لسنا منتفعين من النظام السوري، ولا غيره. وسجلنا في المؤتمرات
والندوات ومن الدعوات والإستضافات والإستكتابات وكل المشبوهات الأخرى، يكاد لا
يذكر أمام سجلكم؛ فلا داع لكل هذا "التشبيح الثقافي" الذي يحاول أن يحجر
على حرية عقولنا، ويسلب إرادتنا وحقنا في التفكير الحر..
أصدقاؤنا..
أنتم
تعلمون أن المشكلة لم تكن في أن المثقفين الأردنيين لم يتخذوا موقفاً؛ بل في أن
ثلة من المناضلين الموسميين، الرافضين تقليدياًً لأن ينطق ضمير المثقف في أي موقف
سياسي، استيقظوا فجأة، وحددوا لنا الموقف الذي يجب أن نتخذه لنكون من "الفئة
الناجية". ومعلوم أن النجاة باعتبار هذه "الثلة" انتهاز المواقف، وإنقاذ
المصالح، ولو كانت صغيرة.
لقد اعتبر
بعضكم موقف الرابطة صمتاً، ولكني أتمنى أن يكون صمت الرابطة موقفاً؛ واعتبرتم صراخكم
نصرة للشعب السوري، وأتمنى من قلبي أن لا يكون مجاملة محسوبة لصالح من يقف، حقيقة،
وراء العصابات المسلحة و"الشبيحة"..
لقد سوّقتم
موقفكم على سبع وسبعين (هم بالضبط عشرة بالمائة من رابطة الكاتب) يصرون على أن
تتجاهل الرابطة كل بقية أعضائها ومخاوفهم، وأن تصادر حقهم في التفكير، لتتبعكم في
حماستكم المريبة، التي ابتدأت
بتلفيقة حبك عقدتها ناشئ غرير..!
والمدهش، أنكم كما أردتم أن تسلبوا حقنا في التفكير وحرية اتخاذ الموقف، سلبتم بعض من كنتم مطمئنين لصداقتهم، فوقعتم بالنيابة عنهم، دون علمهم وموافقتهم..
وهنا،
مع تقديري للعتاب الأخوي الذي أصرّ على أن التقصد في حال جاوزت الأمور الحد مقبول بأسلوب واحد هو الصمت، أقول لكم:
تذكروا
من نحن بينما تمضون لشراء علبة سجائر..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق