يحب
النقاد في بلادنا أن يلاحظوا الراوي كلي العلم. تلك حدود المهارات المعتادة التي
لا تحتاج إلى جهد، إلا إذا تعلق الأمر بخليج سعودي، مثلاً، فإن الأمر سينفتح مثل بوابات الجحيم على مهارات في خيانة العقل والضمير النقدي والأدبي، واجتياز حاجز التزلف
الثقافي والسياسي معاً..
هذا شيء
نراه ونكرهه، ولكننا نتجاهله، لأن كسب الرزق لا يتأتى لبعض صغار العامة إلا بإحناء
العنق، ولبعض المثقفين بإحناء الضمير والعقل. هذا شيء نعرفه، ونغفره، لأننا نعرف
معادن الناس، وخبرنا ضمائرهم، وندرك حدود عقولهم، التي لا يعجز مستجدو الأول
الابتدائي عن الإحاطة بها..
هذا
شيء نعرفه، ونسكت عنه..!
كنا
نسكت لأننا لم نكن قد شهدنا بعد الثورات العربية، ولا كيف انبرى أحد أئمة
"الناقدين" المبجل من جماعة نقادنا المبجلة إلى وزارة استدعته إليها
سيدته الأولى، وكيف هرب من الوزارة حينما أدرك أن سيدته الأولى.. تعيش أيامها الأخيرة!
ِنقد،
ينقد، فهو ناقم على نفسه وحظه العاثر..!
وبطبيعة
الحال، فإن آخر ما يتمناه المرء هذه الأيام هو أن يتعثر بناقد يدلي برأي سياسي؛ لا لشيء، إلا لأنه سيتصرف
بالضرورة وفق أسلوب الـ"كوبي بيست"، فيبحث في المعضلة السياسية عن الراوي
كلي العلم، وحينما لا يجده يصبح هو ذلك الراوي، الذي يعرف ما لا يعلمه إلا الله..!
ويجزم
أن الأمور كذا حصلت، وأن الأحداث كذا وقعت. بثقة تترك وكالات الاستخبارات في حيرة
من أمرها.
يبتدئ محاولاً تقمص دور الراوي كلي العلم، وينتهي كلي الثقة بما يقول..!
يبتدئ محاولاً تقمص دور الراوي كلي العلم، وينتهي كلي الثقة بما يقول..!
يغفر
لنفسه كل خطاياه، وكل تجاوزاته، ويرتدي مسوح الأنبياء. وفي غمضة عين يصبح رسولاً
للمحبة والإنسانية، ويعطي دروساً أخلاقية في الديمقراطية، التي فاته أن يناضل
لأجلها، ولو بشق تمرة، ولا أقول بكلمة!
يتحدث
عن دور المثقف ويزاود على "غرامشي"، ومعه حق. فماذا كان لدى هذا
الايطالي "النكرة" سوى السجن، ليحتكر التنظير في شؤون المثقف..!
ماذا
كان لدى هذا الايطالي "النكرة"، الذي لم يفهم الدنيا، ولم يعرف حتى من
أين تؤكل الكتف..!
وكيف
يمكن أن يقارن هذا الايطالي "النكرة" بمن لا تمر عليه ذرائع التدخل
الأجنبي، ولا يغفل عن دور "منظمات المجتمع المدني"، ولا يرف له جفن بينما يتحدث
باستهتار عن "خرافة" المقاومة والممانعة، وبمن يسمو فوق كل العقائد والأيدلوجيات!
وعموماً هي حالات لا يزعج المرء نفسه بها، لولا أن مرّ عصفور، فتذكرت مظلمته، حينما
تسمى بعض النقاد به وبصفاته، وحينما يشابهه بعضهم الآخر (في ارتجافه من البرد)
حينما يوضع في موقف يتطلب منه أن يقول كلمة في الدفاع عن الحريات في الأردن (وكنت
أحسب أن مقياس التزام المثقف بالحرية هو دفاعه المكلف عنها في وطنه، وليس باقتصار
منافحته على انتقاد الحكومات الأخرى)!
وأجد
في هذا المكان مناسبة لأذكر: لم تصدر رابطة الكتاب بياناً بشأن الأحداث في سوريا،
وهذا يناسبني. ولم يصدر تيار القدس كذلك بياناً بهذا الشأن، وهذا تياري. ولم تصدر
كتلة التجمع الثقافي الديمقراطي بياناً، وهذا يؤكد صحة قولي أن ما يحدث في سوريا
ليس بسذاجة ما يذهب إليه البعض، ولم يصدر التيار الثالث بياناً، وهذا يؤكد المؤكد.
ولم يصدر التيار الرابع بياناً، وهذا يرفع أي شك..
ومع
ذلك، فإن بعض الأوساط الميلودرامية في الرابطة بدر منها شيء كهذا، وهذا شأنهم
كأفراد، طالما لم يمونوا على كتلتهم!
واستميحكم
الآن عذراً، فوسائل الإعلام ووكالات الأنباء، غفلت عما يحدث بالبحرين هذين
اليومين، لذا سأهاتف ناقداً كلي العلم والثـقة ليطلعنني على آخر الأخبار هناك. هل يستطيع..؟
لا،
لا أظن!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق