الخميس، 14 أبريل 2011

لا قراء يوم الخميس

الفكرة الشائعة هي أن يوم الخميس هو الأقل حظاً بالقراءة والإقبال على شراء الصحيفة اليومية، بين أيام الأسبوع؛ ودرجت العادة أن يحاول الكتاب تجنب النشر بلا طائل في مثل هذا اليوم المهدور. ولكن، من جهة اخرى، تبدو للأمر محاسن أخرى غير منظورة، منها على الأقل أن من يتكبد عناء اقتناء الصحيفة وقراءتها في هذا اليوم، هو بلا شك قارئ مهتم، وليس عابر صحف.. أو صفحات.
لا أريد أن أندب أو أجمِّل حظي، الذي رسمه لي برنامج نشر المقالات، ولكن ما سبق يشير إلى أن الكتابة في مثل هذا اليوم تنطوي على صعوبتها الخاصة، فهي إما كتابة للنفس (في حال عدم توفر القراء)، أو كتابة لقارئ متشدد، لا يرحم ولا يغتفر إضاعة وقته بلا جدوى. ومثل هذا القارئ نادر للغاية، إذا عرفنا أن القارئ عموماً في العالم العربي عملة نادرة عموماً، ولا يعطي من وقته للقراءة سوى ست دقائق سنوياً مقابل 12 ألف دقيقة لمثيله في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه، فإنه من المؤكد أن استحواذ الإعلامي على هذه الست دقائق النادرة التي يصرفها المواطن العربي على القراءة في العام، وهي بالمحصلة ست دقائق ذهبية من الانتباه واليقظة، يخضع لشروط منافسة قاسية وصعبة؛ وبالتالي، يصعب تصديق أن المؤسسات الإعلامية العربية، وبالذات الورقي، قادرة على الاستحواذ عليها؛ وقد بدا ذلك واضحاً خلال الأحداث العربية الأخيرة، التي فشل فيها هذا الإعلام في خدمة الرسالة المنوطة به، سواء كان ذلك إعلام دولة أو إعلام معارضة.
وهذا مرده بالدرجة الأولى إلى غياب الرؤية، وضعف القدرة في التحرر من الارتباطات غير المهنية، وبالتالي محاولة تقمص مواقف أطراف الحراك الاجتماعي، سواء في حالته العامة في أوقات الاستقرار السياسي أو في حالته الطارئة في أوقات التجاذب الفعال.
وقد شاهدنا، هنا، كيف تنازعت الإعلام وتصارعت فيه لغتان في التعامل مع الأحداث؛ الأولى، تقوم على تجريم النشطاء والمحتجين وإدانتهم عموماً وجميعاً. والثانية، تتعامل معهم انطلاقاً من الاعتراف بروح المواطنة وحقوقها. وهذه الثانية هي اللغة التي تبنتها الإرادة السياسية العليا في السلطنة منذ أول يوم، ومنذ أول مقارباتها لمعالجة الوضع، وما تزال، في موقف جعل من السلطنة نموذجاً عربياً مختلفاً ومشرقاً. إلى درجة أن المرء يحار لماذا يرتد الإعلام وينشد إلى اللغة الأولى، التي عفا عليها الزمن، ولم يعد لها من قبول وتأثير إيجابي في القرن الحادي والعشرين.
بطبيعة الحال، يستطيع المرء أن يصل إلى فهم واضح لهذه الظاهرة، حين يراجع الحيثيات التي تطورت وفقها الأمور؛ فقد شهدنا طوال الوقت إشارات إيجابية ومتفهمة من الإرادة السياسية العليا، لا يمكن إلا التجاوب معها، من حيث هي لا تتوقف عند الحدث الآني، وتنظره بعين المستقبل، وتفتح الأفق أمام انعطافة تحول الاحتجاج بحنكة السياسي إلى جهد إيجابي يصب في تجديد دماء حركة النهضة. كما شهدنا بالمقابل إشارات مشجعة ومرضية، من النشطاء والمحتجين؛ ولكن هذه الرسائل من الاتجاهين كانت للأسف في حالات كثيرة تضيع في الوسط، وتحديداً على يد المسؤولين التنفيذيين والإعلام، الذين لم يستطيعوا الخروج من عباءة لغة التجريم، ومأزق تجاهل لغة المواطنة.
وللأسف، فإن هذا لم يؤد فقط إلى إطالة أمد الأحداث رغم التجاوب الواسع والكبير من لدن الإرادة السياسية العليا؛ بل وأدخل في نفوس بعض الطارئين على مجتمع عُمان الآمنة والمطمئنة الوهم بأن المجال مفتوح أمامهم للمساهمة في النقاشات التي يخوضها بعض شباب عُمان المعتصمين، من خلال تقديم مداخلة همجية، لم تعتدها السلطنة، ولا ترحب بمثلها، وطالت ناشطين حقوقيين وإعلاميين عُمانيين (سعيد الهاشمي وباسمة الراجحية).
إن وجه عُمان الآمن، وتقاليدها القائمة على الحوار والتسامح، لا سيما مع أصحاب الرأي واجتهادات أهل الثقافة، تأنف مثل هذه المداخلات الهمجية، ولا ترتضي أن يتحول الرأي الآخر إلى مستضعف، مهدد بأمنه الشخصي من قبل مجهولين، لا صفة لهم، يعتقدون أن بوسعهم القيام (على طريقتهم الخاصة) بدور مناط حصرياً بالدولة والقانون، الذي يقرر حدود المسموح والممنوع، والمقبول وغير المقبول.
وهنا، من المؤكد أن معدل القراءة المنخفض للغاية، له علاقة سببية بما نشهده من افتقار إلى ثقافة الحوار في العالم العربي، وما ينجم عن ذلك من ظواهر عنف وجنوح إلى الإلغاء والإقصاء في مجتمعاتنا؛ وإذا صدقت الفكرة الشائعة والقائلة بأن يوم الخميس هو الأقل حظاً بين أيام الأسبوع بالقراءة والإقبال على شراء الصحيفة اليومية، فعلاً، فإن هذا يجعل منه من الناحية النظرية الأكثر خطراً، وحينها لن يكون بوسع صاحب هذه الكلمات إلا أن يأمل بأن يكون لكلماته الوقع الطيب الذي يعفيه من التعرض لأية هزات ارتدادية!

ليست هناك تعليقات: