الأربعاء، 23 فبراير 2011

ما أخفته عمليات التجميل السياسية

لم يفرق الشعب العربي في هبته المتواصلة بين جمهوريات وملكيات؛ بل ابتدأ بالأولى، ولم يؤخر الثانية، وها قد ألحق بهذه وتلك الجماهيرية العظمى، "التي تقود الأمة العربية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية".. لا بل وأوروبا أيضاً.

ومع هذه الأخيرة، تتكشف الحقائق بصورتها الأوضح..

1
مسكين الشعب الليبي: حينما انتفض في السابع عشر من الشهر الجاري مطلقاً النداء ذاته، الذي تردد في تونس ومصر من قبل، "الشعب يريد إسقاط النظام" اعترض بعض المعلقون، قائلين: "عن أي نظام يتحدث الليبيون..!؟ ربما يجدر بهم أن يهتفوا: الشعب يريد إنشاء نظام!".

وكان مع المعترضين حق؛ لا نظام يسقطه الليبيون، بل عليهم إنشاء نظام..

وحينما خرج نجل القذافي سيف الإسلام، بكلمته المستفزة، اكتشف الليبيون أن لا حق لهم بالغضب. فالمتحدث لا يحمل أي صفة رسمية، وأنه مثلهم "مجرد مواطن" ليبي. والمواطن لا يجوز عليه الخلع.

وهذا حق.

وحينما أعلوا صوتهم ضد القذافي مطالبين بتنحيه، خرج عليهم "الأخ القائد" قائلاً بأنه "مجرد قائد ثورة"، ولا منصب له ليستقيل، وليس رئيساً ليتنحى، ولو كان لرمى استقالته في وجوههم؛ مبدياً في الأثناء أسفه أنه لا يستطيع.

وهو محق. فليس مثله من يستقيل.

ولكنهم محقون أكثر منه.. فمن تم خلعهم في مصر وتونس (ومن سيتم خلعهم أيضاً) يشتركون مع القذافي، ومع دولة القذافي بنفس السمات المشتركة، التي لا يلغيها التباين في الشدة أو الدرجة: إنها كلها ليست جمهوريات حقاً، وليست ملكيات فعلاً..

بل محض أنظمة عائلية..!

2
هذا ما ينتفض الشعب العربي في ليبيا، وما انتفض الشعب العربي في تونس ومصر، وما سينتفض الشعب العربي في بقية العالم العربي ضده: أنظمة الحكم العائلية. فإذا كان الراحل الحريري قد حقق "نجاحه" في الحياة العامة بتحويل "سعودي أوجيه" إلى نظام حكم، فإن القادة العرب فاقوه سحراً و"فهلوة" حينما حولوا أنظمة الحكم ودولهم بأكملها إلى "سعودي أوجيه"..!

الكارثة أن الملكيات في العالم العربي كانت تتبجح على الأمس بأنها أكثر استقراراً وشفافية من الأنظمة الجمهورية الشقيقة، التي اتجهت نحو توريث الحكم؛ ونسيت في خضم تبجحها أنها تجاوزت نظامها الملكي الذي يستمد طبيعته من توارث المنصب الأول في الدولة حصراً، وأصبحت أنظمة عائلية، تورث فيها الدولة وما فيها للعائلة.

وأصبح الرئيس والملك فيها يرث منصبه عن أبيه بموجب "حجة حصل" إرث عائلية، لا من الدولة وبموجب أحكام الدستور.

وولاية العهد الرئاسية والملكية، على حد سواء، لم تعد تكليفاً بنص دستوري وبولاية مجالس الأمة، بل تخلع على المحظوظ وفق قرار عائلي، ربما تتدخل فيه أحقاد الزوجات وضغائن الكنائن وألاعيب "راسبوتين" ما، لا مصلحة الدولة وإرادة شعبها.

استشرى الأمر وأصبح عادياً، حتى استمرأت بعض الأنظمة العائلية الأمر فأسست (عيني عينك) مجالس عائلة!

المعضلة أن مثل هذا المجلس، الذي يشبه "مجالس إدارة الشركات"، يرعى مصالح الحكم بمعزل عن مصلحة الدولة؛ ويعطيه أولوية عليها. وهو على العموم يحيد الدساتير المغلوبة على أمرها (إن وجدت) في مجال تنظيم علاقة الأسرة الحاكمة بالدولة، ويحصر القرار بشأنها في يد أعضاء العائلة.

وفي الملكيات تعدت العائلات حدود المُلك في النظام ووصلت إلى استملاك الدولة، وزادت فوزعت إدارات الدولة في ما بين أعضائها، الذين باتت لهم حصة في الحكم لا ينظرها دستور، ولا ينظمها قانون.

الأدهى أن أفراد العائلات الملكية انخرطوا، رغم المخصصات المالية التي تفرد لهم من المال العامة، في مزاحمة خلق الله في الأعمال والبزنس، في الوقت الذي يمنع فيه الدستور الوزير من الجمع بين المصالح التجارية والوزارة!

3
نظام القذافي ليس فريداً من نوعه في العالم العربي؛ بل هو الوجه العاري والفوضوي لهذه الأنظمة. الوجه الذي لم يعتن بالديكورات ولا الاكسسوارات ولم ينفق على عمليات التجميل السياسية، ما أنفقه وبذله الآخرون.

كلهم قذافي..

وكلهم الجماهيرية..

أما الملكيات والجمهوريات، فهي تلك التي "هرمنا" ونحن غارقين في وهم أننا نعيش في ظلها!





هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

كلهم قذافي..

وكلهم الجماهيرية..

أما الملكيات والجمهوريات، فهي تلك التي "هرمنا" ونحن غارقين في وهم أننا نعيش في ظلها!


=====

تحياتي لقويم الفكر و صريح الحرف

منجي باكير

http://zaman-jamil.blogspot.com/