الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

اختطاف الجامعة العربية

من الواضح أن الجامعة العربية لم تعد مؤسسة تداول في الشأن العربي، بل تحولت إلى أداة صرف بيد معسكر الاعتدال المؤود، الذي يستجمع قواه في البيت الخليجي، وقد أرعبه غياب مبارك، واحتمالات عودة مصر إلى العروبة!
لقد كشفت الحالة الليبية عن هذا وغيره من التحولات الخطيرة، التي لن تكون دون عواقب وخيمة، في طبيعة آليات العمل العربي المشترك، اقتضاها هذا الاختطاف ويمهد لها.
لقد أنشئت الجامعة العربية، بالأصل، لمواجهة إسرائيل وتنسيق الجهود العربية لدعم القضية الفلسطينية وتدعيم العمل العربي المشترك، وهي المهمة التي سجلت فشلاً ذريعاً في التصدي لها؛ وذلك بطبيعة الحال لغياب النوايا الصادقة، فبقيت حبراً على ورق، ومؤسسة تخذل العروبة كلما سنحت الفرصة، وتحجم عن دعمها مهما واتتها الظروف!
والتحول الخطير أنها اليوم انحرفت تماماً عن قائمة أهدافها المعلنة كاملة، وتحولت إلى أداة لتصفية كل أشكال الحياة خارج نطاق معسكر الاعتدال. وهي اليوم مشغولة بالدول، وفي الغد ستوظف مؤسساتها وتنسق جهود توظيف إمكانيات الخليج لتدمير أشكال العمل المدني والجماهيري خارج نطاق الهتاف بحياة طويلي الأعمار.
ويجدر بنا، اليوم، ملاحظته أنه قد تم إحلال مجلس وزراء الخارجية العرب محل مؤسسة القمة، في إشارة واضحة إلى أن ميثاق الجامعة نفسه لم يعد المرجعية في العلاقات العربية العربية، أو في إدارة عمل الجامعة على المستوى السياسي العربي؛ وسيكون على مؤسسة الجامعة تلقف مقررات قمة مجلس التعاون العربي لتنفيذها عربياً.
وفي هذا السياق نفسه، فإنه من غير الممكن تجاهل أن "عرب الدوحة" أدخلوا قوى إقليمية بعينها في منظومة العمل العربي المشترك، بشكل غير رسمي ولكن على نحو عملي وفاعل، ويمكن تلمس هذا من خلال ملاحظة ذلك التناغم الواضح بين "عرب الدوحة" والتركي المتأسلم، ومن خلال منح الدور التركي مجالات للتأثير تفوق ما تملكه دول عربية رئيسية!
وهنا، علينا أن نتذكر ذلك اللغط الكثير الذي ثار العام الماضي حينما اتضح أن مشاريع إصلاح "الجامعة"، تركزت على إيجاد صيغة لضم تركيا ومنحها عضوية الجامعة العربية..!
والمشكلة ليست هنا، بل في أن ذلك يفتح المجال أمام دخول قوى إقليمية أخرى (إسرائيل) إلى الجامعة العربية، وهذا واضح من الإصرار على تقزيم الجامعة العربية إلى مستوى مجلس لوزراء الخارجية؛ فالخليج الذي يريد أن يتحرر من الصراع العربي الإسرائيلي، سيبتعد باتجاه "مجلسه"، ولكنه سينظم علاقاته مع العدو الإسرائيلي ويشرعنها من خلال مؤسسة الجامعة..
وعليه، فإن المرحلة الأولى (الحالية) تقتضي تحويل الجامعة العربية إلى "أمم متحدة" جديدة، تمارس دور "مجلس الأمن" الذي يتيح تصفية الدول التي تشكل حجر عثرة في وجه هذا المسعى، وترهيب بقية الدول العربية من المؤلفة قلوبها.
إن المخاوف من "أسرلة" ليست تهويشاً، بل هي واحدة من المحطات التي يغذ "عرب الدوحة" الخطى نحوها ممتطين صهوة "الربيع العربي".
ولكن هيهات..!

ليست هناك تعليقات: