بقلم: سعود قبيلات
وقف رئيس المجلس الانتقاليّ في ليبيا، أمس، وتلى (خطاب الانتصار).. لا
ليعلن فيه جدولاً زمنيّاً محدَّداً للتحوّل الديموقراطيّ، وبناء الدولة
المدنيَّة.. دولة القانون والمؤسَّسات، وضمان التعدّديّة بكلّ أشكالها ومضامينها،
وحقّ الاختلاف والتعبير عنه، وفصل السلطات وتداولها، وبناء نظام اقتصاديّ اجتماعيّ
عادل، وتأكيد استقلال ليبيا وسيطرتها على ثرواتها وقرارها؛ بل ليبشّر بتحويلها إلى
دولة... دينيَّة (ثيوقراطيَّة).
ولهذا التحوّل
عنوانان، حدَّدهما هو نفسه، وهما:
إلغاء قانون
يمنع تعدّد الزوجات كان مطبّقاً حتَّى الآن؛ لأنَّه، كما قال "يتنافى مع
الدين"!؛
والتحوّل إلى
نمط البنوك الربحيَّة، التي تُعتَبر أكثر أنواع البنوك استغلالاً وجشعاً!
ليس في الأمر
أيّ تناقض؛ فاستقدام الحلف الأطلسيّ للتدخّل في البلاد، والتنازل له عن استقلالها
وثرواتها، يستلزم إعادة الشعب الليبيّ قروناً إلى الوراء، وتكريس نظام أكثر بشاعة
للنهب والاستغلال الاقتصاديّ، واحكام السيطرة على حرّيّات الناس الشخصيَّة
والسياسيَّة، معاً، بذرائع دينيَّة. أي، باختصار، فرض نمط متخلّف مِنْ أيديولوجيا
هوامش النظام الرأسماليّ الدوليّ.
وقبل أنْ يحاول
البعض الهروب مِنْ مناقشة هذه الحقائق البائسة إلى الأسلوب المتهافت المعروف
بتوجيه التهم السطحيَّة والسهلة إلى الخصوم، أقول إنَّني لم أكن معجباً، مطلقاً،
بنظام القذّافيّ، وفي بداية أحداث ليبيا الحاليَّة بادرتُ بإصدار بيانٍ نُشرَ في
الصحف أدنتُ فيه بشدَّة ممارسات نظام القذّافيّ القمعيَّة، ظانّاً أنَّ ما كان
يحدث هناك انتفاضة شعبيَّة حقيقيَّة. ولكن سرعان ما ظهرتْ الحقيقة، وانكشفتْ
مخطَّطات "الأطلسيّ"، والحركة الصهيونيَّة ممثَّلة بمبعوثها الشهير
برنار هنري ليفي، في هذا المجال، والدور المشبوه الذي اضطلع به أتباعهما من الدول
النفطيَّة الخليجيَّة وسواها (الحريصة على الديمقراطيَّة جدّاً، بالتأكيد)، لاسناد
هذه المخطَّطات وتحقيقها.
الخيارات ليست
محصورة إمّا بالوقوف مع نظام القذّافيّ أو بتسليم ليبيا للحلف الأطلسيّ والحركة
الصهيونيَّة وعملائهما، عبر تحويلها إلى دولة نفطيَّة "خليجيَّة" تابعة
ومتخلّفة. ومَنْ يصرّ على التمسّك بهذه المعادلة الخبيثة فأهدافه واضحة، ولن ينطلي
مكره على أحد.
باختصار؛ لقد
وقع بلد عربيّ وإسلاميّ آخر في قبضة الأعداء، مع الأسف، وبدلاً من التقدّم إلى
الأمام عاد شوطاً كبيراً إلى الوراء. وسيضطرّ الشعب الليبيّ الشقيق إلى تحمّل
معاناة كبيرة ودفع تضحيات هائلة مِنْ أجل التخلّص مِنْ هذا النير الجديد.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق