تتم الإشارة إلى رئيس الوزراء التركي في الصحافة
الغربية، على نحو متزايد، بوصفه "أردوغان العاطفي"؛ ويبدو أن هذه الصفة
تستهوي بعض محبيه وناقديه العرب على حدٍ سواء. وعليه، فقد شهدنا استخداماً
متبايناً لها، في أكثر من مساحة إعلامية.
وأزيد:
هذه الصفة مفضلة عند كارهي أردوغان ولدى الراغبين بالاستخفاف به؛ وليس في هذا أي تعسف،
فالعبارة حيثما وردت، وهي كما أشرنا متداولة أكثر في الصحافة الغربية، تضمر سخرية
تبلغ أحياناً حد الهزء بالرجل. ومع ذلك، فإن هذا الوصف يثير لدى محبي الرجل
تداعيات "عاطفية"، لا أول لها ولا آخر، بدءاً من قصة "زينب
أردوغان" السورية وليس انتهاء بالصومال ومشهد الإبن الباكي في جنازة الأم المتوفاة وصورة الأب الصالح في مشهد الأبنة التي تزوجت
حديثاً..!
ما
يهمنا من الأمر، هو أن "أردوغان العاطفي" لم يفتأ يطلق التصريحات
"العاطفية" الحازمة بشأن سوريا، ويعطي لنظامها المهلة النهائية على إثر
المهلة، دون أن ينتبه إلى أن الأيام تمر عليه، وعلى تصريحاته، وعلى مهله
المتتابعة، التي لا تثير في الجانب السوري أي رغبة في التعليق؛ وإن حدث وعلق، فإن
تعليقه لا يخرج عن إطار التقليل من شأن ووقع تلك التصريحات والمهل النهائية.
دأب
"أردوغان العاطفي"، كذلك، على التهديد بمقاطعة النظام السوري ورئيسه،
ولكنه يخذل نفسه كل مرة، ويعود للاتصال به ومهاتفته؛ ولا حاجة هنا لنستخدم مفردات
من وزن "مضطراً" أو "صاغراً"، فهذا تحصيل حاصل، فالمكتوب يقرأ
من عنوانه، ومن المنطق البسيط الذي يقول بأنه من غير المعقول أن الأسد يستقبل مكالمات
التركي العاطفي، مرة بعد مرة، ليستمع إلى العظات والدروس والتصريحات الحازمة
والمهل النهائية، كما تحاول أن توحي البيانات التركية التي تعقب كل مكالمة.
إنني
أجزم بأن مكالمات "التركي العاطفي"، مع جاره السوري، لا تخلو كذلك من
الأحمال العاطفية الجياشة!
ويبقى
أن عواطف "التركي العاطفي" ليست كل شيء؛ فعواطفه المشبوبة التي وقف لها
شعر رأسنا في موضوع "دافوس" و"مافي مرمرة"، شكل غطاء إعلامياً
مناسباً ليخوض أقرانه من "الأتراك غير العاطفيين" معركة تحرير الدور
التركي، في "الناتو" والسياسة الدولية، من مستوى "مقاول من
الباطن" لدى المقاول الإسرائيلي العامل لدى الغرب مباشرة، إلى مقاول مباشر
وعلني عند هذا الغرب نفسه!
ويستخدم
"الأتراك غير العاطفيين" رئيس وزرائهم العاطفي، كذلك، للإقدام على خطوات
غير مأمونة، ويريدون لها أن تأتي من باب "الزلل العاطفي" المغتفر، الذي
يمكن التراجع عنه دون كلفة أدبية تمس من هيبة دولتهم العلية. وفي هذا السياق، يأتي
رضوخ "التركي العاطفي" للأمر الأمريكي، أثناء وجوده في نيويورك غير
العاطفية، بالطلب من الأسد التنحي. ثم العودة بعد أقل من شهر لمهاتفة الأسد نفسه،
ويعلم الله مقدار الشحنة العاطفية التي حملتها أسلاك الهاتف!
من
الواضح أن "الأتراك غير العاطفيين" يعرفون تماماً أن أسوأ ما يمكن أن
يتصف به السياسي، هو أن يكون عاطفياً، لذا فهم لا يتركون تركيا لرئيس وزرائهم إلا
بحدود معلومة؛ ونتذكر هنا أن صنيعة المتآمرين "هرموش" اختفى في ظروف
غامضة مريبة في تركيا، وظهر في سوريا، وسط اتهامات لـ"أتراك غير
عاطفيين"؛ ونتذكر كذلك أن الجيش والدوائر الأمنية التركية لم تمانع حينما
أخطرهم الجانب السوري بنقل وحدات من الجيش إلى الحدود، بل أجابوا على الإخطار
بنصيحة تقول: "تحتاجون لضبط الأوضاع، إلى ما أكثر من ذلك: أسلحة وآليات
ثقيلة!".
أتذكر
أن بعض محبي "أردوغان العاطفي" وكارهي سوريا، اندفعوا في مرحلة ما، إلى
عقد المقارنات بين "التركي العاطفي" رقيق الحاشية، رخيص الدمعة، والرئيس
السوري "متحجر القلب"، "قاسي الطبع"، الذي لا يرف له جفن؛
وهنا، أذكرهم بأن المقارنة لا تستقيم بين تشرتشل ومارلين مونرو، حتى ولو تمثلت هذه
الأخيرة بشخص سياسي إسلامي شرقي!
وعموماً،
الدول تختار لنفسها رجال دولة وسياسة، وليس نجوم شاشة يبرعون في البكاء أمام
الكاميرا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق