الجمعة، 9 سبتمبر 2011

الأدباتية

بقلم: ناهض حتر
ynoon1@yahoo.com
في الأردن جمعٌ كبير جدا بالنسبة إلى عدد السكان من الأدباتية. والأدباتية هم صنف من أنصاف المثقفين الذين يدورون في فلك الشعر والقصة والرواية، ويؤمنون بأن الثقافة حكرٌ على هذه الأنواع الكتابية ونقدها. ويعتبرون أنهم وحدهم المبدعون، وأن الإبداع لا يخرج عن نطاق الأدب.
وينظر الأدباتي باستعلاء شديد إلى النشاطات الكتابية الفكرية والبحثية والسياسية والتاريخية والسسيولوجية والسسيوثقافية والسيكولوجية والاثارية الخ.. فكل الناشطين في هذه المجالات ليسوا، في عرف الأدباتي، مبدعين.
يظن الأدباتي أن العالم يدور مداره ومدار قصائده أو قصصه، ولا يهتم بالشأن السياسي أو الاقتصادي الاجتماعي. فهذه الشؤون الدنيوية، عنده، تافهة ولا تستحق عناءه هو السارح في فضاء الوقت وغيمة الكلمات.
منذ خريف 2009 انطلقت أول هبة عمالية كبيرة في العقبة، تلتها في العام 2010 ، مبادرات سياسية و اجتماعية ومطلبية وأبرزها مبادرة المعلمين ثم انطلق مع مطلع هذا العام حراك شعبي مثابر فرض نفسه على حياة البلد، إلا حياة الأدباتية. فباستثناء مشاركات فردية لأدباء من خلفيات حزبية ونضالية، لم الحظ مشاركة الأدباتية أو الفنانين في أي نشاط سياسي. وأفهم أن الأدباتي الذي يتملكه شعور الألوهة قد لا يرغب في الاندماج مع (الغوغاء) في مسيرة أو اعتصام، لكنني لا أفهم استنكاف الأدباتية عن تنظيم وقفة خاصة بهم لإسناد المطالب الديمقراطية والاجتماعية.
بل إن الأدباتية لم يتنادوا حتى لإصدار بيان تضامني مع العمال، المعلمين، القوى الديمقراطية، واللجان الشعبية في المحافظات. ولحسن الحظ أنه توفرت لرابطة الكتاب الأردنيين قيادة مسيّسة انقذت ماء وجه الأدباتية من خلال مشاركتها في العمل العام.
يترفّع الأدباتي عن الممارسة السياسية، مبررا ذلك بأولوية دوره بوصفه (مبدعا). ولكن أدبه لا يعكس معرفة بالبلد والمجتمع، ولا يدرك إيقاع النزعات والحساسيات الناشئة، ولا يعبّر عنها. فهو، بالتالي، أدب فارغ. فلا يوجد إبداع حقيقي لا يعكس الحياة والعصر، وأما التهويمات الخاصة بذات متضخمة معزولة وجاهلة، فيمكن تصنيفها في خانة الخواطر. و80 بالمئة من شعرنا ونثرنا هو، على نحو أو آخر، يدخل في باب الخواطر. والخاطرة اسلوب في التعبير عن الذات في مرحلة المراهقة.
منذ الثلاثينيات أرسى مصطفى وهبي التل تقاليد ارتباط الشعر بالشعب والوطن والنضال. وهي تقاليد تكرست في الخمسينيات ومنحت الحركة الوطنية الديموقراطية، تعبيراتها الإبداعية، ويكفي أنها انتجت، من بين آخرين، روائيا في حجم غالب هلسا ورواية في مستوى (سلطانة).
آه... نسيتُ أن الأدب المعتبر غدا اليوم منفصلا عن السياسة، معرفة وممارسة وانعكاسا، وأن نضالية الأدب أصبحت سبّة، كما أن قصيدة واحدة أهم من مئة بيان ومن خمسين اعتصاما. حقا أنني ما زلت واقعيا اشتراكيا متخلفا وماركسيا جامدا.
قبل قليل، تذكّر الأدباتية، فجأة، واجبهم السياسي، لكن نحو الثورة السورية بالذات وتحديدا ودون جميع الثورات. وهيهات للمواطن غير المبدع مثلنا أن يفهم السبب العجب وراء تلك الصحوة النضالية التي ومضت في فضاءات الأدباتي لحظة، لكنها كشفت (خيوطه) السرية مع العالم الواقعي. الأدباتي ليس ساذجا ويدرك أين تكمن مصالحه الصغيرة، وايّة فواتير سياسية ينبغي تسديدها على رغم... الأدب.
(العرب اليوم. 2011-09-09)

ليست هناك تعليقات: