الأحد، 28 أغسطس 2011

ذهب العقيد وجاء الجنرال والناتو


بقلـم: موفـق محاديـن
mwaffaq.mahadin@alarabalyawm.net
ذهب عهد العقيد القذافي، وكتبنا عنه ما كتبنا، ودخلت ليبيا عهدا جديدا، هو عهد الاستعمار الجديد وحلف الأطلسي، فما ينتظر ليبيا في ضوء ما شاهدنا وسمعنا على مدار الأشهر السابقة ليس دولة حقوق الإنسان والديمقراطية المزعومة بل مزارع أطلسية وعملية نهب ولصوصية أمريكية ورأسمالية واسعة النطاق كما حدث في العراق، وكذلك مناخات حروب وقتل قبلية تراجيدية مقابل جماهيرية العقيد الكوميدية.
ولم تكن كل هذه اللصوصية والجرائم الأمريكية والفرنسية والبريطانية ضد ليبيا وشعبها ونفطها، ان تحصل بالطريقة التي حصلت فيها لولا أوهام العقيد نفسه والانقلاب على الهوية العربية والاستقلالية والتسديد المسبق لفاتورة التوريث التي تطلبت كما يبدو استبدال الهوية العربية بهوية وطنية مزعومة تحت شعار وقف نهب العرب (العمال) للنفط الليبي واستبدال جماهيرية الأب بدولة من كرتون (برلمان ودستور مزور).
ولمن لا يعرف فان غالبية الإعلاميين والمعممين الناعمين الذين نبتوا مثل الفطر على الفضائيات وراحوا يتحدثون عن ليبيا جديدة كانوا من فريق سيف الإسلام وموسى كوسا، مما يعني أن (ثورة) الناتو كانت أشبه بانقلاب عسكري، ولكن بدون سيف الإسلام. ولنا أن نتوقع في المشهد الليبي المقبل، إضافة لتقاسم التركة النفطية من الأمريكان والعواصم الأوروبية، حصة كبيرة للأتراك، بحيث تصير ليبيا صندوقا نفطيا للانبعاث العثماني الجديد كمدخل أمريكي للسيطرة على فوضى الشارع العربي والإسلامي، ولمواجهة إيران وتحجيم أي دور عربي متوقع للقاهرة..
ومن العناصر المساعدة على ذلك الذاكرة المشتركة خاصة مع الثقافة الإسلامية الشعبية شمال أفريقيا ومن المؤشرات على ذلك خطاب مصطفى عبد الجليل الذي تحدث عن (ليبيا إسلامية) بدون الإشارة للهوية العربية.
أما المشهد الأبرز المتوقع فهو تداعيات رحيل العقيد كما تداعيات رحيل الجنرال زياد بري في الصومال الذي تحول من المعسكر الوطني وموسكو إلى الأمريكان، ومن التنمية المخططة المستقلة إلى التخاصية والسوق المفتوحة والبنك الدولي، ومن التحالف مع اليسار إلى الإسلام النفطي، فانهارت الدولة مع انهيار حكم الجنرال وكانت المبررات غياب حقوق الإنسان وأدواتها من المنظمات الأمريكية إلى نشطاء التمويل الأجنبي.
ومنذ تلك الأيام والصومال كما تعرفون جميعا. فلم تنهض الدولة الديمقراطية على أنقاض الديكتاتورية، بل المليشيات والمافيات والمجاعات، ذلك أن الدولة القطرية نفسها وفشل مشاريعها بين اليسار واليمين وهويتها الوطنية المزعومة، مشروع استعماري أصلا ولا يمكن أن تؤهله لصهر الفسيفساء الطائفية والعشائرية في مجتمع مدني معاصر، فما أن ينهار نظام الحكم فيها تحت الضغط الداخلي أو الغزو الخارجي حتى ينهار المجتمع نفسه ويعود سيرته الأولى، حروب أهلية ووحدات أطلسية تنهب الموارد هنا وهناك باسم الأمن الدولي..
هذا هو مشهد ليبيا المتوقع صومالا آخر وقواعد وعساكر أطلسية على الأرض..
(العرب اليوم. 2011-08-28)

ليست هناك تعليقات: