الأربعاء، 24 أغسطس 2011

معركة العقيد العنيد


لقد أقنع القذافي الليبيين والعالم أنه ليبيا، وأن ليبيا هو؛ ولعله أراد ويريد أن يكون الأمر كذلك فعلاً. وهذا، ليس بمستغرب ويمكن توقعه من زعيم حكم بلاده لعقود طويلة، ويضج عقله بنماذج زعامات تاريخية: ستالين، ماو، تيتو، عبد الناصر..
ولم ينس أن يدعم ذلك بإسهام نظري، فأعلن كتابه وساحته الخضراوين!
وللأمانة، لم يكن هذا مجرد محض جهد شخصي يقوم به العقيد بمعونة "دولته"، فقد انخرط كارهوه ومعارضوه القدماء  والجدد، من جهتهم، في هذا الجهد، وبذلوا ما بوسعهم لإقناع العالم وأنفسهم، بأن القذافي هو ليبيا، وليبيا هي القذافي. وبالتالي، فإن إسقاط القذافي ونظامه، لا يتم بدون إسقاط ليبيا، التي أضحت قديمة ليتم على أنقاضها بناء أخرى جديدة.
وهذا بدوره عنى بالطبع، أن الهدم يتطلب أعتى آلات التدمير التي تتوفر لدى "الناتو"، وهو ما يقود بطبيعة الحال إلى اعتبار أن البناء يحتاج لأحدث "المعاول" الغربية. وهكذا تحولت ليبيا، في المرحلة الأولى التي نعيشها اليوم، إلى ساحة للحرب الأهلية، وفي المرحلة التالية تصبح منطقة استثمارية غربية!
المفارقة، أن ما أراده القذافي تحقق؛ فـ"الناتو" وحلفائه الليبيين رغم سيطرتهم على أهم المدن الليبية، ومن بينها العاصمة طرابلس، ومقر الزعيم الليبي نفسه، إلا أنهم غير قانعين بنصرهم، ولا يطمئنون إلى سيطرتهم على ليبيا ووضع يدهم على "دولتها"؛ فالعقيد ما يزال طليقاً في مكان ما. وهذا، يا للغرابة، يقلق "الثوار" و"الناتو" على حد سواء، رغم سيطرتهم على الأرض، وبمعزل عن تحول الأحداث لصالحهم.
وهو ما يقودنا إلى التفكير بواحد من احتمالين:
الأول؛ أن القوى المتحالفة ضد القذافي ليس لديها شيئاً تقدمه للشعب الليبي سوى الإطاحة بالعقيد؛ من يفرحه ذلك فعليه أن يتحمل تبعات ذلك لاحقاً، ومن يغيظه هذا فليمت بغيظه؛ فليبيا التي يقبل "الثوار" في شوارع عاصمتها، اليوم، العلم الأمريكي، ستكون بالغد "محمية استثمارية" غربية!
شاءوا أم أبوا..!
ولأنها منطقة "استثمارية" مقبلة، فلا بدّ من ضمان استتباب "الأمن"، وملاحقة أي ادعاء بالحق واجتثاثه؛ ولهذا فإن المعادلة السابقة التي بدأت على أساسها الحرب، تنقلب على رأسها، لتصبح: القذافي هو الدولة، والدولة هي القذافي، فلا يمكن إسقاط نظامه بدون إسقاطه هو نفسه، من خلال القبض عليه حياً أو ميتاً، أو مهزوماً يوقع بنفسه وباسمه صك الاستسلام والاعتراف بفاتورة "الناتو" واستحقاقاتها اللاحقة!
الثاني؛ أن أحداث اليومين الماضيين، كما عرفها العالم من خلال الإعلام، شابها التزوير وخالطها الكذب. وهذا احتمال ثبتت صحته في جزء كبير منه؛ فمعركة طرابلس كلفت خلال يومين، كما قال مصطفى عبد الجليل نفسه، ما يزيد عن 400 قتيل وأكثر من 2000 جريح ومصاب، إلى جانب 600 أسير من قوات الليبية النظامية. وأرقام مثل هذه لا يمكن أن تحصل في معركة مع رئيس معزول منبوذ من القطاع الأوسع من شعبه.
وفي رصد الكذب والتزوير الإعلامي، يمكننا أن نتذكر كيف شغلتنا نشرات الأخبار بالمعركة الوهمية أمام كاميرات التلفزة، التي استمرت ساعات على أبواب "باب العزيزية" بين دك وقصف وإطلاق الرصاص من مختلف البنادق الرشاشة، ومنها المخصصة لاصطياد المدرعات والحوامات المروحية، لنكتشف مع آخر النهار أن مقر العقيد القذافي خال تماماً، وما من أحد فيه. لا مسلحين ولا بدون سلاح!
لكننا عشنا الإثارة، كاملة، كما في أي فيلم هوليوودي!
ولن نتحدث عن الزعم باعتقال سيف الإسلام، أو عن واقعة تحرير أخيه محمد بعد اعتقاله، ولا عن الغرب والناتو وعبد الجليل نفسه، الذين ما يزالون يعرضون على القذافي التنحي مقابل محرج كريم. ولكننا سنتذكر أمراً آخر، يعود إلى الأيام الأولى للحدث الليبي الذي انطلقت شرارته في بنغازي، وزعم القذافي حينذاك بأن عناصر من القاعدة تقف وراء ذلك وأن دولاً تدعمهم (المؤامرة، التي يرفضها البعض)؛ فقد بات واضحاً أن الإسلاميين وعناصر القاعدة يشكلون الجسم الأساسي بين "الثوار"، وهم يحتفظون بالأفضلية على سواهم باعتبارهم الأسبق في إدارة الحدث والسيطرة على مجرياته والفئة المرتبطة بأطراف دولية.
ويصرح اليوم أعضاء بالمجلس الانتقالي ممن يقيمون في الخارج أن هؤلاء مسؤولون عن مقتل عبد الفتاح يونس، لا بل أن رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل نفسه يشكو من هيمنتهم، إلى درجة يلوح فيها بالاستقالة.
إذن، لم يكن القذافي يكذب. ولم تكن تلك نظرية المؤامرة، بل المؤامرة نفسها!

ليست هناك تعليقات: