الأربعاء، 24 أغسطس 2011

تذكّروا حكمة ماركس

بقلـم: ناهـض حـتر
ynoon1@yahoo.com
ما زالت هبة نيسان 89، ماثلة في ذاكرتي، حين انتفضت المحافظات –كالعادة- ضد الفساد والتمييز الاجتماعي والإفقار والتهميش. وفي ذلك الربيع، لم يشارك الإخوان كليا في تعبيرات الغضب الشعبي، ولم يقدموا ومضة جهد ولا قطرة دم ولا معتقلا واحدا، لكنهم حصدوا النتائج في صفقة أعطتهم نفوذا غير مسبوق في البرلمان وفي حكومة مضر بدران. وبدا وكأن هبة نيسان جاءت في سياق إسقاط حزب زيد الرفاعي والتمكين لحزب مضر بدران، وذهبت دماء الشهداء وعذابات المعتقلين، هدرا.
ساهمت تلك الصفقة في قيام ما أسماه الدكتور علي محافظة، "الديمقراطية المقيّدة"، وفي تفكيك القوى الشعبية، واستيعاب المعارضة، ثم قلب الطاولة باتجاه قانون الصوت الواحد (1993) ومعاهدة وادي عربة (1994) والشروع في الخصخصة واللبرلة الشاملة التي تطلبت تغييب البرلمان سنتين في عهد حكومة علي أبو الراغب وسنة في عهد حكومة سمير الرفاعي، وإصدار مئات القوانين المؤقتة التي شملت كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وسيطرت المجموعة الليبرالية الجديدة على البلد وباعته وفككت القطاع العام وأطاحت بالمسؤولية الاجتماعية للدولة، ووجهت الموازنة - والقرارات الحكومية والقوانين المؤقتة وغير المؤقتة - لخدمة تخليق طبقة جديدة من المليونيرية، فيما يعتبر عقد نهب الأردن.
نحن نعيش اليوم نتائج صفقة 89 . فهل يمكن أن تتكرر؟
هنالك مؤشرات –ومعطيات- على أن اتجاها رسميا يسير نحو تكرارها. وإذا كانت القوى الشعبية مدعوة للانتباه، فيمكن تذكير الراغبين في الصفقة بحكمة ماركس الشهيرة: التاريخ لا يكرر نفسه إلا على شكل مهزلة.
هناك، بالطبع، الضغوط الأمريكية والخليجية، كذلك الحسابات المفهومة لسقوط النظام السوري وتبعاته، ومنها دور "الإخوان" الممكن في سورية ما بعد الأسد. ولكنني أعتقد أن الضغوط على الأردن هي، موضوعيا، من النوع الذي لا يسدّ البدائل. كذلك، لا توجد في الأفق معطيات جدية حول تغيير حاسم في سورية على الأقل في المدى المنظور. فالإدارة والجيش متماسكان حتى الآن، وما يزال الأسد يتمتع، فعليا، بتأييد داخلي وازن، وبحصانة روسية - صينية.
في التكرار الهزلي لصفقة 89، اليوم ، سوف يخسر الطرفان: الحركة الإخوانية سوف تتآكل شعبيا، ولن تكون قادرة، بالتالي، على تقديم خدمة اطفاء الحريق، ولن ينجح الحكم في استيعاب حراك مغدور هذه المرة، بل سينجلي مشهد الصراع الاجتماعي - السياسي في البلد عن خندقين، خندق الليبرالية المتحدة (الاقتصادية والسياسية) وخندق القوى الشعبية. سيكون ذلك درسا حيا لقراءة المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل، في حركيّة الصراع الوطني الطبقي، نحو ثورة اجتماعية تحقق الذات الوطنية في الآن نفسه.
لكن هناك بديلا يمكن اشتقاقه من مفكر ماركسي آخر هو سمير أمين. ويتمحور حول جبهة متسعة واحدة للتنمية الوطنية على أساس نبذ الليبرالية الجديدة واعتماد الديمقراطية الاجتماعية. يتطلب ذلك التخلي عن الصفقات الثنائية والسير نحو تسوية داخلية شرطها الرئيسي مراجعة نقدية شاملة للنهج الاقتصادي - الاجتماعي الذي يدير البلد منذ أواخر التسعينيات، وأوصلنا إلى كارثة.
(العرب اليوم. 2011-08-24)

ليست هناك تعليقات: