الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

حانة الحي القريبة

اعتدت ارتياد حانة الحي القريبة أكثر من مرة في اليوم، وفي أوقات شبه منتظمة؛ في الصباح المتأخر أحتسي قهوتي، وأقرأ صحف النهار، وبعد الظهر أتناول طعامي وأنجز بعض الفروض اليومية التي يقتضيها عملي ككاتب متفرغ، وفي المساء ألتقي صديقاً أو أتناول شرابي وحيداً.
في الصباح، وعلى نحو منتظم، كانت تدخل بعدي فتاة في مقتبل العمر، تعمل في المشفى المجاور، كما فهمت من ردائها الطبي الأبيض؛ تجلس في الركن القريب أمامي، وتطلب شطيرة، وتبقى ساكنة إلى أن يأتيها النادل بطلبها، فتبدأ بإجراء مكالمات هاتفية قصيرة، بينما تقضم شطيرتها ببطء، ولكن باستمتاع وتلذذ صريح، لا يتلاءم مع طبعها المتحفظ.
في الظهيرة، حينما كنت أدخل الحانة، أجد في نفس المكان امرأة شابة، أكبر عمراً بنحو عشر سنوات، تتناول طبقا من الخضار المسلوقة وأمامها كأس من عصير البرتقال، لا تمسه إلا بعد أن تأتي على كامل طبقها؛ وما أن تنتهي من ذلك حتى تستدعي النادل، وتدفع إليه ببطاقتها الائتمانية، ثم تخرج مفكرتها الخاصة، وتنتظر. وحينما يعود إليها النادل ببطاقتها تعزف عن استخدام قلمه الذي يعرضه عليها، وتسحب قلما من مفكرتها وتوقع الفاتورة وتعيدها إليه. ثم تدون شيئاً ما في مفكرتها. وتخرج بعد ذلك.
في المساء، كانت المرأتان تحضران معاً، وتجلسان في ذات المكان، وتنهمكان في حديث خافت، ولكن يشوبه الانفعال. وغالباً ما كان صوتهما الخافت لا يكفيهما، فتميل إحداهما إلى الأخرى لتكونا أقرب إلى بعضهما البعض. وكانتا تخرجان بعد إنهاء فنجان قهوة للأولى وكأس عصير للثانية. وأحيانا تتولى الأولى أمر النادل فتدفع له نقداً، وفي الغالب كانت الثانية تتولى أمره، فتفعل ذلك على نحو ما تفعل كل ظهيرة، بينما ترقبها الأولى بصمت وحياد.
كان سلوكهما يثير فضولي؛ فقررت في يوم أن أقترب منهما. ولكن أياً منهما لم تظهر في ذلك اليوم، خلافاً للعادة؛ لا تلك التي تأتي في الصباح، ولا صديقتها التي تحضر في النهار، ولا هما معاً في الليل. ولم تظهرا بعد ذلك أبداً، في ذلك المكان، ما ترك قصتي بلا نهاية، وخلف لدي عجزاً عن تحديد ما إذا كان من شأنها أن تكون قصة جيدة فأتمسك بها، أم رديئة فأتخلى عنها..
والأهم، بات المكان موحشاً بالنسبة لي؛ في الصباح، والظهيرة، والمساء!

ليست هناك تعليقات: