الأحد، 17 يوليو 2011

الولاء انتهازية وفساد


فكرة "الولاء" منتشرة وذائعة في الأردن؛ وهي حاضرة بشكل مكثف في الخطاب السياسي "الموالي" والمعارض على حدٍّ سواء؛ وتعتبر من المكملات الجمالية التي يحرص السياسيون والنواب والمسؤولون بدرجاتهم وطلاب المدارس على تضمينها في كلماتهم وخطبهم وبياناتهم الوزارية وتصريحاتهم الإعلامية.
وهذا بطبيعة الحال، لأن الكثيرون يتعاملون مع هذه الفكرة البدائية، باعتبارها مسلمة وبديهية أخلاقية وسياسية، ويتعمدون الخلط بينها وبين فكرة الانتماء الوطني، بما يجعل الخروج عنها استثناءً مشكوكاً فيه وبفاعله، ويلقي بظلال من الشك حول وطنيته. والنتيجة ثقافة شمولية تخرج المعارضة (الحزبية وغير الحزبية) من الإطار الوطني؛ وتتيح، بالتالي، للمسؤول استخدام القبضة الأمنية بوجه شعبه، كما تنمي عدوانية مفرطة لدى رجل الأمن تجاه المواطن الذي يمارس حقه الوطني في التظاهر السلمي (كما رأينا منذ أيام في ساحة النخيل)، بل وتدفع بعض المواطنين للتحول إلى بلطجية!
وفي واقع الأمر، لا تعدو فكرة الولاء عن كونها واحدة من أهم مظاهر فساد الحياة السياسية؛ فهي تستخدم غالباً في "المزاودة" وتبرير المواقف التي لا تبرير سياسي وأخلاقي لها؛ وتخرج علاقة الحاكم والمحكوم من إطار الدستور والقانون لتضعها في سياق المنفعة المتبادلة، فلا يعود بقاء وإرادة الحاكم والمسؤول السياسي مرهونين بحسن نهوضه والتزامه بواجباته الدستورية، بل بقدرته على شراء "الولاء".
بلى، خلافاً للانتماء الوطني والوفاء الشخصي، فإن "الولاء" يشترى ويباع؛ وعليه، فهو محض انتهازية وفساد!
وهنا، يجب التذكير أن الولاء ليس شرطاً دستورياً لازماً، ولا وضعاً قانونياً يجب التقيد به، ولا مكوناً أصلياً في المواطنة، ولا يضيف إلى الانتماء الوطني ولا ينتقص منه؛ إذ يملك المواطن أن لا يمحض "الولاء" لحكومته أو زعيم بلده، بل ويمكنه كذلك أن لا يكون موافقاً على دستور بلاده وأن يعمل على تعديله أو تغييره، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام الحكم فيها، دون أن يخرجه ذلك من وطنيته، طالما أنه يقوم بذلك بوسائل ديمقراطية وسلمية تحترم القانون والدستور.
ولنا أن نلاحظ أن الأنظمة الأساسية (الدساتير) في غالبية الدول، ومنها الأردن، تعطي المجالس التمثيلية الحق بحجب الثقة عن الحكومة، بل ويمنحها الحق بسحب ولائها من رأس الدولة وتنحيته في حالات معينة، وقد سبق أن حصل ذلك في الأردن فعلاً (الملك طلال). ذلك لأن الدستور، الذي هو أعلى من كل الهيئات والمقامات التي يرد ذكرها في نصه، لا يحصن نفسه ضد إرادة الشعب، سواء بتعديله أو تغييره، فما بالك بمن هو دونه أو يستمد شرعيته وصلاحياته من الدستور نفسه.
ولنا أن نلاحظ، كذلك، أن الدستور الأردني، كغيره، لا ينشغل بملاحظة حالة "الموالاة" وتنظيمها، في حين ينظر بعين العناية لحالة "المعارضة"، بوصفها عنواناً للحريات والحقوق المدنية، وباعتبارها مكوناً محتملاً في منظومة الحكم، وتمثل حضوراً متوقعاً للمجتمع، أو بعض فئاته، في الدولة ومؤسساتها.
ومن البديهي، أن المواد التي تنص على حرية الرأي والتعبير والحق في الاجتماع وتشكيل الجمعيات والأحزاب، والأخرى التي تنص على تقييد العقوبات والتأكيد على أن الحرية الشخصية مصانة، والنص الصريح على أن الحكم بجريمة سياسية لا يحرم الأردني من عضوية مجلسي النواب والأعيان.. الخ، هي مواد تسعى لإيجاد هامش مناسب يكفل للمواطن حقه الوطني في أن ينخرط ويتبنى وجهات نظر وأنشطة معارضة (غير موالية) وفي أن لا يكون موالياً لنظام الحكم نفسه.
وفي المحصلة النهائية، فإن فكرة الموالاة على الطريقة الأردنية هي على أقل تقدير مظهر من مظاهر الاستبداد وواحدة من أدوات أنظمة الحكم التي تعود إلى القرون الوسطى، وقد تجاوزتها أغلب شعوب العالم منذ مطلع القرن العشرين (وإن كانت الأنظمة الشمولية، مثل النازية والفاشية، قد احتفظت بها لبعض الوقت، وتستحضرها اليوم بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة من خلال صيغتها المكشوفة "الولاء والبراء").
ونحن اليوم ختمنا العشرة الأوائل من القرن الحادي والعشرين، في حين أن طبقتنا السياسية، التي تصر على هذا استحضار فكرة "الولاء" وترويجها، هي في جلها من تلامذة وخريجي مدارس وجامعات الغرب، الذين لا يفتأون يتبارون في استعراض "عصريتهم" وثقافتهم الغربية.
ما شاء الله..!

ليست هناك تعليقات: