السبت، 25 يونيو 2011

بعض "إخواننا المسلمين"


يجهد بعض "إخواننا المسلمين" بمحاولة تصوير موقفهم من سوريا في سياق الانتصار المبدئي لقيم الحرية والإنسانية؛ وينساقون في المحاولة إلى درجة أنهم يصدقون الكذبة، فلا يجدون أي حرج من نزع هذه الصفات السامية، التي يخلعونها جزافاً على أنفسهم، عن الآخرين الذين يختلفون معهم في الرأي، ولم ينقلبوا معهم وراء الجزيرة وقطر على الممانعة والمقاومة.
ينسى بعض "إخواننا المسلمين" أنهم أول من أسس لـ"البلطجة" في الأردن، وأول من أدخل العصي والهراوات إلى حرم الجامعة الأردنية، في سبيعنات القرن الماضي، لاستخدامها ضد الطلبة المتظاهرين احتجاجاً على زيارة أنور السادات لإسرائيل أو حتى بمناسبة يوم الأرض.
وذلك كله، بقيادة ملهمة من شيخهم عبد الله عزام..!
ينسى بعض "إخواننا المسلمين" ذلك وغيره مما لا يتسع المجال لذكره، وتأخذهم الحماسة، فيعلنون بانفعال عاطفي يسعى إلى التمويه على الحقائق، فيؤيدون "ثورة الشعب العربي في سوريا على الاستبداد وحكم الديكتاتور ونظام الحزب المنفرد الأوحد القائم على القمع والسحق والتخويف وإرهاب المواطنين، بقتل الناشطين السياسيين ومحركي الشارع والتمثيل البشع في جثثهم بطريقة همجية مرعبة لم تعرفها القرون البدائية الأولى من عمر البشرية".
وهذا لم يمنعهم، بطبيعة الحال، من تأييد الرئيس السوداني رغم جرائمه ضد أبناء الشعب السوداني وأسلوب حكمه المتخلف والمتسلط، والاحتفاء بسفيره في عمان منذ أيام.
لا بأس، طالما أن سيده في الخرطوم قبل التضحية بالسودان لأجل الحفاظ على حكمة!
وهذا لم يمنعهم، أيضاً، من المنافحة عن نظام طالبان الديكتاتوري الاستبدادي، الذي هو أسوأ من أن يقارن بـ"نظام الحزب المنفرد الأوحد"، إذ كان نظام ملة مذهبية ضيقة وظلامية "لم تعرفها القرون البدائية الأولى من عمر البشرية"، ولا تقبل حتى بمن لم يشاركها تطرفها من أهل دينها نفسه، وحكمت الشعب بالتجهيل والقمع والسحق والتخويف وإرهاب المواطنين، بطريقة بشعة وهمجية مرعبة!
ويذرف بعض "إخواننا المسلمين" دموعاً سخية على الإنسانية وقيم الحرية في سوريا؛ فهناك فسحة مريحة من الالتباس و"السياسة" والمصالح الضيقة، والأنفس المتهافتة!
ولا يكفيهم هذا، فيندفعون في اتهام الآخر الذي يختلف معهم، ولم يشأ أن ينقلب منقلبهم الدوري المعتاد. وينسون أنهم بالتزامن صمتوا على سحق انتفاضة شعب البحرين بقوّات تدخّل خارجيّة، ولم يحركوا ساكنا إزاء ما يتعرّض له هذا الشعب المظلوم (لغاية هذه الساعة) من قمع واضطهاد يومي بشع. ومع ذلك لم يزاود عليهم أحد، كما يزاودون هم اليوم ويتاجرون بالدم السوري!
ينسى بعض "إخواننا المسلمين" ذلك وغيره!
وبالمحصلة، نتوه إذا ما صدقنا دموع بعض "إخواننا المسلمين"، واقتنعنا أن موقفهم من سوريا هو انتصار مبدئي لقيم الحرية والإنسانية، ولا يعود ممكناً معرفة الشرق من الغرب، وتضيع القبلة نفسها؛ ولكننا (ولله الحمد) لسنا مضطرين إلى تصديقهم، فموقفهم من سوريا بالذات هو موقف سياسي، واضح، يموضعهم (بقصد أو دون قصد) في نطاق جغرافي معروف..

يحده من الشمال أردوغان، ومن الشرق قطر، ومن الجنوب السعودية، ومن الغرب أمريكا وإسرائيل..!
والأسوأ من ذلك، أن يكون لهذا الموقف سياق في قول بعض "إخواننا المسلمين" الذي يغمره شعور الارتياح بأن "أسامة بن لادن رحل في الوقت المناسب تماماً"، ويجد بعض تفسيره بالقول الحماسي المشحون بالتبرير الاستباقي الذي يجزم بـ"أن النظام السوري أكثر إجراماً من إسرائيل"، وبالنزق الذي باتت تثيره فيهم كلمات مثل "ممانعة ومقاومة"..
وهو في كل الأحوال موقف يثير الريبة في سياق صمت بعض "إخواننا المسلمين" على المقابلة المشينة التي أجراها المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا علي صدر الدين البيانوني مع القناة الإسرائيلية الثانية، التي أعترف فيها بحق إسرائيل بالوجود..

وتزداد الريبة في ظل اختيار بعض "إخواننا المسلمين"، دوناً عن بقية "إخوانهم المسلمين"، التضامن مع جماعة البيانوني، الذي بالمناسبة كان قد سبق له أن أعلن في مقابلة مع وكالة رويترز 2006، في ذروة أزمة المحكمة الدولية، إنه "إذا تولت الجماعة السلطة في دمشق، فستكون مستعدة لإجراء محادثات سلام مع إسرائيل"!

وهذا موقف يضعهم بين أنصار "العملية السلمية" السقيمة، ويمنحهم امتياز الاستلقاء إلى جانب ومبارك في مشفاه! 

ليست هناك تعليقات: