الاثنين، 18 أبريل 2011

ناعم وخشن.. كله كنافة!


اليوم، يتحدث المسؤولون الأمنيون في الأردن عن سياسات أمنية محددة، في تصريحاتهم، التي كشفت ان المواطنين كانوا ينعمون إلى اليوم بسياسة الأمن الناعم؛ بينما سينعمون -تؤكد التصريحات- خلال المستقبل المشرق الذي ينتظرهم، بسياسة الأمن الخشن!
بطبيعة الحال، يستطيع المواطنون أن يتذمروا من اللغة "التخصصية"، التي جنح إليها مسؤولوهم الأمنيون، والتي قد تستعصي على فهم البعض منهم. ولن يلومهم أحد إذا لجأوا إلى استشارة أصحاب السوابق لفهم هذه اللغة "الغريبة"، التي بدأت تجتاح الإعلام.. وقريباً الأجساد، كما تؤكد كل التصريحات المتوعدة، والسحنات المتجهمة.
نحن نعرف على الأقل أن الأسلوب الناعم هو مراقبة المشهد عن قرب بعد ايكال المهمة لجندرمة البلطجية، الذين يتخفون بهيئة مواطنين غاضبين يقتحمون مشهد الاحتجاج السياسي الآمن والمسالم، ويقومون بكل ما يمنع القانون سلطات تنفيذه من القيام به. ويهيئون المشهد والظروف لتدخل "أمني" منحاز ومتواطئ مع المهاجمين؛ ليتسنى تفريق المعتصمين بالقوة وإلحاق الأذى بهم، وحينما يتضح أن أذى جندرمة البلطجية طال رجال الأمن أنفسهم، فإن ذلك لن يكون إلا فرصة سانحة لاتهام المعتصمين المسالمين بالفعلة، وتقديمهم للمحاكمة.
ولا نعرف لغاية هذه اللحظة ما هو الأسلوب الخشن؛ ولكننا نعرف بالمقابل أن استعراض السلفيين لم يكن الأول من نوعه. فقد سبق أن أعلنوا عن نيتهم للاعتصام على "ميدان جمال عبد الناصر" نفسه مطالبين بالإفراج عن اربعة من "إخوتهم"، وهي بالعادة مطالب مستحيلة بمقاييس "الأجهزة" بالأردن، ولكن "يصدف" أن الحكومة والأمن يعرفون بالفعل من هم السلفيين وأنهم كما قالوا "ليسوا براغماتيين ليخافوا"، فانهالت عليهم الحكومة و"الأجهزة" في جهد مشترك بمختلف "العروض الميسرة" والسخية، حتى أن رئيس الحكومة تطوع لمقابلتهم ومحاورتهم (ولتذهب لجنة الحوار الوطني للجحيم!) لقاء إلغاء الاعتصام؛ وكما توقع وقال السلفيون، الذين كانوا قد هددوا صراحة وعلناً وبكل تحدي أنهم في حال عدم إجابتهم إلى مطالبهم سينشرون قائمة بأسماء ضباط "الدائرة"، انتهت العروض السخية بالانصياع لمطالبهم كاملة.
ومن الملفت أن التجاوب الكامل لم يدفع السلفيين للانزواء، فقد خرجوا في اعتصام الجمعة الشهير في الزرقاء، وحينما تمت محاولة تكرار سيناريو التعامل مع شباب 24 آذار معهم؛ وجد أفراد الأمن العام المعبأين ضد كل من يتجمهر ويحمل مطالب سياسية، والذين تم الدفع بهم بوجه إخوتهم الشباب في جمعة "ميدان جمال عبد الناصر"، أنفسهم وقد دفع بهم في وجه فئة من المعبأين بنوع التعبئة ذاتها (ولكن من الاتجاه المعاكس)، وخرجت السكاكين والسيوف والخناجر. ولم ينته الأمر إلا وهم ضحية الموقف!
والرد: يخرج المسؤولون الأمنيين ورئيس الحكومة، مؤكدين على رسالة واحدة: كنا نتعامل وفق نظرية الأمن الناعم، وسنتعامل بـ"الخشن"..!
لقد خرجت، إذن، لغة الناعم والخشن، التي تشمل ولا تخصص.. ومن الواضح أنهما (الناعم والخشن) بالنسبة للسلفيين مجرد كنافة؛ وليس الحال كذلك، بالنسبة للمعتصمين الآمنين، الذين لم يمروا بالمطبخ ولا بالملحمة المجاورة في طريق توجههم لاعتصام سلمي، فيجد رئيس الوزراء ووزير داخليته الجرأة والقوة على الإستقواء عليهم!
والمعنى المباشر لهذا التهديد الصريح المفتوح والمطلق: إنه، كالعادة، تحدٍ في شارع الحارة الرئيسي، ووعيد "متبلطج"، يبيت النية على الاعتداء على المواطنين. وهو ليس بحال من الأحوال كلاماً مسؤولاً؛ فقد نسي السيد دولة رئيس الوزراء ومسؤولوه الأمنيون أن الأمن هو أولاً اجتماعي، وثانياً سياسي.. وآخر "الكي" أمني. وذهابه إلى آخر المطاف بالتهديد بـ"الخشن" لا يعالج أخطاءه وأخطاء مسؤوليه الأمنيين الفادحة، ولكنه يفاقمها، ويكشف عن عجز حكومته "الاصلاحية"؛ ويمثل تهديدا مفتوحاً وصلفاً بالاعتداء على المواطنين و"المواطنة" وحقوقهما المدنية، وبالتالي الاعتداء على الدستور، وحكماً على الدولة نفسها!
وفي المحصلة: ما جاء على لسان مدير الأمن العام ورئيس الحكومة حول "الأمن الخشن" تهديد صريح يطال ويعتدي على حقوق المواطنين المدنية والدستورية، لا يستثني أحداً منهم، ويتجاوز السياسة والكياسة إلى حالة من الإطلاق وسبق الإصرار، التي تضمر النية على غض النظر عن الحيثيات وتجاهل القانون عن سابق وعي وقصد. وهذا، في حال وقوع ضحايا -لا سمح الله- يكيف المسؤولية الجنائية تحت بند "مع سبق الإصرار" و"الترصد" تحصيل حاصل..!
والسؤال: هل يصمت الملك على ذلك..!؟

ليست هناك تعليقات: